خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ
٣
-الدخان

روح البيان في تفسير القرآن

{ انا أنزلناه } اى الكتاب المبين الذى هو القرءآن وهو جواب القسم { فى ليلة مباركة } هى ليلة القدر فانه تعالى أنزل القرءآن فى ليلة القدر من شهر رمضان من اللوح المحفوظ الى بيت العزة فى السماء الدنيا دفعة واحدة واملاه جبريل على السفرة ثم كان ينزله على النبى عليه السلام نجوما اى متفرقا فى ثلاث وعشرين سنة والظاهر ان ابتداء تنزيله الى النبى عليه السلام ايضا كان فى ليلة القدر لان ليلة القدر فى الحقيقة ليلة افتتاح الوصلة ولا بد فى الوصلة من الكلام والحطاب والحكمة فى نزوله ليلا ان الليل زمان المناجاة ومهبط النفحات ومشهد التنزلات ومظهر التجليات ومورد الكرامات ومحل الاسرار الى حضرة الكبرياء وفى الليل فراغ القلوب بذكر حضرة المحبوب فهو أطيب من النهار عند المقربين والابرار ووصف الليلة بالبركة لما ان نزول القرءآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها او لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة واجابة الدعوة ونحوها والا فاجزاء الزمان متشابهة بحسب ذواتها وصفاتها فيمتنع ان يتميز بعض اجزائه عن بعض بمزيد القدر والشرف لنفس ذواتها وعلى هذا فقس شرف الامكنة فانه لعارض فى ذاتها قال حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره فى شرح الاربعين حديثا وللازمنة والامكنة فى محو السيئات وتغليب طرف الحسنات وامدادها والتكفير والتضعيف مدخل عظيم وفى الحديث ان الله غفر لاهل عرفات وضمن عنهم التبعات وانه ينزل يوم عرفة الى السماء الدنيا وقد وردت أحاديث دالة على فضيلة شهر رمضان وعشر ذى الحجة وليلة النصف من شعبان وان الصلاة فى المسجد الحرام بمائة ألف وفى مسجد النبى عليه السلام بألف وفى المسجد الأقصى بخمسائة وكلها دالة على شرف الازمنة والامكنة انتهى كلامه قال الشيخ المغربى قدس سره أفضل الشهور عندنا شهر رمضان اى لانه انزل فيه القرءآن ثم شهر ربيع الاول اى لانه مولد حبيب الرحمن ثم رجب اى لانه فرد الاشهر الحرم وشهر الله ثم شعبان اى لانه شهر حبيب الرحمن ومقسم الاعمال والآجال بين شهرين عظيمين رجب ورمضان ففيه فضل الجوارين العظيمين كما ان ليوم الخميس وليوم السبت فضلا عظيما لكونها فى جوار الجمعة ولذا ورد بارك الله فى السبت والخميس ثم ذو الحجة اى لانه موطن الحج والعشر التى تعادل كل ليلة منها ليلة القدر والايام المعلومات ايام التشريق ثم شوال اى لكونه فى جوار شهر رمضان ثم ذو القعدة اى لكونه من الاشهر الحرم ثم المحرم شهر الانبياء عليهم السلام ورأس السنة وأحد الاشهر الحرم وقيل فضل الله الاشهر والايام والاوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والامم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب الى احترامها وتتشوق الارواح الى احيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها واما تضاعف الحسنات فى بعضها فمن المواهب اللدنية والاختصاصات الربانية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قال القاشانى فى شرح التائية كما ان شرف الازمنة وفضليتها بحسب شرف الاحوال الواقعة فيها من حضور المحبوب ومشاهدته فكذلك شرف الاعمال يكون بحسب شرف النيات والمقاصد الباعثة وشرف النية فى العمل ان يؤدى للمحبوب ويكون خالصا لوجهه غير مشوب بغرض آخر قال ابن الفارض

وعندى عيدى كل يوم أرى به جمال محياها بعين قريرة
وكل الليالى ليلة القدر ان دنت كما كل ايام اللقا يوم جمعة

قال بعض الكبار واشد الليالى بركة وقدرا ليلة يكون العبد فيها حاضرا بقلبه مشاهدا لربه يتنعم بأنوار الوصلة ويجد فيها نسيم القربة واحوال هذه الطائفة فى لياليهم مختلفة كما قالوا

لا أظلم الليل ولا ادعى ان نجوم الليل ليست تزول
ليلى كما شاءت قصير اذا جادت وان ضنت فليلى طويل

وقال بعض المفسرين المراد من الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان ولها أربعة اسماء الاول الليلة المباركة لكثرة خيرها وبركتها على العاملين فيها الخير وان بركات جماله تعالى تصل الى كل ذرة من العرش الى الثرى كما فى ليلة القدر وفى تلك الليلة اجتماع جميع الملائكة فى حظيرة القدس.
ودر كشف الاسرار فرموده كه آنرا مبارك خواند ازبهر آنكه برخير وبر بركت است همه شب دعيانرا اجابت است وسائلانرا عطيت ومجتهدانرا معونت ومطيعانرا مثوبت وغاصبانرا اقالت ومحبانرا كارمت همه شب درهاى آسمان كشاده جنات عدن وفراديس اعلا درهانهاده ساكنان جنة الخلد بركنكرها نشسته ارواح انبيا وشهدا درعليين فراطرب آمده همه شب نسيم روح ازلى از جانب قربت بدل دوستان ميدمدوبادهواى فردانيث برجان عاشقان مىوزد وازدوست خطاب مى آيدكه هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له اى درويش بيدار باش درين شب كه همه بساط نزول بيفكنده وكل وصال جانان درباغ را زدارى شكفته نسيم سحر مبارك بهارى از وميدمد وبيغام ملك برمزى باريك وبرازى عجب ميكويد الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله

الم يأن للهجران أن يتصرما وللعود غصن البان ان يتضرما
وللعاشق الصب الذى ذاب وانحنى ألم يأن ان يبكى عليه ويرحما

وفى بعض الآثار عجبا لمن آمن بى كيف يتكل على غيرى لو أنهم نظروا الى لطائف برى ما عبدوا غيرى.
اى عجب كسى كه مارا شناخت باغير ما آرام كى كيرد كسى كه مارايافت باديكرى جون بردازد كسى كه رنك وبوى وصال ويا دمادارد دل دررنك وبوى دنيا جون بندد. ازتعجب هرزمان كوبد بنفشه كاى عجب. هركه زلف يار دارد جنك درماجون زند.
والثانى ليلة الرحمة والثالث ليلة البرآءة والرابع ليلة الصك وذلك لأن البندار إذا استوفى فى الخوارج من اهله كتب لهم البراءة كذلك الله يكتب لعباده المؤمنين البرآءت فى هذه الليلة (كما حكى) ان عمر بن عبد العزيز لما رفع رأسه من صلاته ليلة النصف من شعبان وجد رقعة خضرآء قد اتصل نورها بالسماء مكتوب فيها هذه برآءة من النار من الملك العزيز لعبده عمر بن عبد العزيز وكما ان فى هذه الليلة برآءة للسعدآء من الغضب فكذا فيها برآءة للاشقياء من الرحمة نعوذ بالله تعالى ولهذه الليلة خصال.
الاولى تفريق كل امر حكيم كما سيأتى.
والثانية فضيلة العبادة فيها وفى الحديث
"من صلى فى هذه الليلة مائة ركعة ارسل الله تعالى اليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان" قال فى الاحياء يصلى فى الليلة الخامسة عشرة من شعبان مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ فى كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله احد عشر مرات وان شاء صلى عشر ركعات يقرأ فى كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة قل هو الله احد فهذه ايضا اى كصلاة رجب مروية عن النبى عليه السلام فى جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة فى هذه الليلة ويسمونها صلاة الخير ويجتمعون فيها وربما صلوها جماعة (روى) عن الحسن البصرى انه قال حدثنى ثلاثون من اصحاب النبى عليه السلام ان من صلى هذه الصلاة فى هذه الليلة نظر الله اليه سبعين نظرة وقضى الله له بكل نظرة سبعين حاجة ادناها المغفرة انتهى كلام الاحياء قال الشيخ الشهير بافتاده قدس سره ان النبى عليه السلام لما تجلى له جميع الصفات فى ثمانية عشر ألف عالم وأكثر صلى تلك الصلاة بعد العشاء شكرا على النعمة المذكورة (وروى) مجاهد عن على رضى الله عنه انه عليه السلام قال "يا على من صلى مائة ركعة فى ليلة النصف من شعبان فقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وقل هو الله احد عشر مرات" قال عليه السلام "يا على ما من عبد يصلى هذه الصلاة الا قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة ويبعث الله سبعين ألف ملك يكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات ويرفعون له الدرجات الى رأس السنة ويبعث الله فى جنات عدن سبعين ألف ملك وسبعمائة ألف يبنون له المدآئن والقصور ويغرسون له من الاشجار ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب المخلوقين وان مات من ليلته قبل ان يحول الحول مات شهيدا ويعطيه الله بكل حرف من قل هو الله احد فى ليلته تلك سبعين حورآء" كما فى كشف الاسرار قال بعضهم أقل صلاة البرآءة ركعتان واوسطها مائة واكثرها ألف.
يقول الفقير الألف الذى هو اشارة الى ألف اسم له تعالى تفصيل للمائة التى هى اشارة الى مائة اسم له منتخبة من الالف لان التسعة والتسعين باعتبار احديتها مائة وهى تفصيل للواحد الذى هو الاسم الاعظم ولما لم تشرع ركعة منفردة ضم اليها اخرى اشارة الى الذات والصفات والليل والنهار والجسد والروح والملك والملكوت ولهذا السر استحب ان يقرأ فى الركعتين المذكورتين اربعمائة آية من القرءآن فان فرض القرآءه آية واحدة ومستحبها اربع آيات والمائة اربع مرات اربعمائة فالركعتان باعتبار القرآءة المستحبة فى حكم المائة فاعرف جدا وفى الحديث
"من احيى الليالى الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان"
والثالثة نزول الرحمة قال عليه السلام "ان الله ينزل ليلة النصف من شعبان الى السماء الدنيا" اى تنزل رحمته والمراد فى الحقيقة تنزل عظيم من تنزلات عالم الحقيقة مخصوص بتلك الليلة وايضا المراد تنزل من اول الليلة اى وقت غروب الشمس الى آخرها اى الى طلوع الفجر أو طلوع الشمس.
والرابعة حصول المغفرة قال عليه السلام
"ان الله يغفر لجميع المسلمين فى تلك الليلة الا لكاهن او ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين او مصر على الزنى" قال فى كشف الاسرار فسر اهل العلم المشاحن فى هذا الموضع بأهل البدع والاهوآء والحقد على اهل الاسلام.
والخامسة انه اعطى فيها رسول الله عليه السلام تمام الشفاعة وذلك انه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان الشفاعة فى امته فأعطى الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع الا من شرد على الله شراد بعير وفى رواية اخرى قالت عائشة رضى الله عنها رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة النصف من شعبان ساجدا يدعو فنزل جبريل فقال ان الله قد أعتق من النار الليلة بشفاعتك ثلث امتك فزاد عليه السلام فى الدعاء فنزل جبريل فقال ان الله يقرئك السلام ويقول أعتقت نصف امتك من النار فزاد عليه السلام فى الدعاء فنزل جبريل وقال ان الله اعتق جميع امتك من النار بشفاعتك الا من كان له خصم حتى يرضى خصمه فزاد عليه السلام فى الدعاء فنزل جبريل عند الصبح وقال ان الله قد ضمن لخصماء امتك ان يرضيهم بفضله ورحمته فرضى النبى عليه السلام.
والسادسة ان من عادة الله فى هذه الليلة ان يزيد ماء زمزم زيادة ظاهرة وفيه اشارة الى حصول مزيد العلوم الالهية لقلوب اهل الحقائق { انا كنا منذرين } استئناف مبين لما يقتضى الانزال كأنه قيل انا انزلناه لان من شأننا الانذار والتخويف من العقاب