خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢
-الفتح

روح البيان في تفسير القرآن

{ ليغفر لك الله } غاية للفتح من حيث انه مترتب على سعيه عليه السلام فى اعلاء كلمة الله بمكابدة مشاق الحروب واقتحام موارد الخطوب قال بعضهم لما لم يظهر وجه تعليل الفتح بالمغفرة جعل الفتح مجازا مرسلا عن اسباب الفتح ليغفر لك فالفتح معلول مترتب على الافعال المؤدية الى المغفرة وان المغفرة علة حاملة على تلك الافعال فصح جعلها علة لما ترتب على تلك الافعال وهو الفتح وجعل الزمخشرى فتح مكة علة للمغفرة وهو اوفق للمذهب الحق لان افعال الله تعالى لا تعلل بالاغراض على مذهبهم فليست اللام على حقيقتها بل هى اما للصيرورة والعاقبة او لتشبيه مدخولها بالعلة الغائية فى ترتيبها على متعلقها وايضا ان العلة الغائية لها جهتا عليه ومعلولية على ما تقرر فلا لوم على من نظر الى جهة المعلولية كالزمخشرى لظهور صحته كما فى حواشى سعدى المفتى والالتفات الى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات للاشعار بأن كل واحد مما انتظم فى سلك الغاية من افعاله تعالى صادر عنه تعالى من حيثية غير حيثية الآخر مترتبه على صفة من صفاته تعالى قال ابن الشيخ فى اظهار فاعل قوله { ليغفر لك } وينصرك اشعار بأن كل واحد من المغفرة والنصرة متفرع على الالوهية وكونه معبودا بالحق والمغفرة ستر الذنوب ومحوها قال بعض الكبار المغفرة اشد عند العارفين من العقوبة لان العقوبة جزآء فتكون الراحة عقيب الاستيفاء فهو بمنزلة من استوفى حقه والغفران ليس كذلك فانك تعرف ان الحق عليك متوجه لوانه انعم عليك بترك المطالبة فلا تزال خجلا ذاحياء ولهذا اذا غفر الله تعالى للعبد ذنبه احال بينه وبين تذكره وانساه اياه وانه لو تذكره لاستحيى ولا عذاب على النفوس اعظم من الحياء حتى يود صاحب الحياء انه لم يكن شيأ كما قالت مريم الكاملة { يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا } هذا حياء من المخلوقين فكيف بالحياء من الله تعالى فيما فعل العبد من المخالفات ومن هذا الباب ما حكى ان الفضيل قدس سره وقف فى بعض حجاته ولم ينطق بشئ فلما غربت الشمس قال واسوأتاه وان عفوت (قال الصائب) هركز نداد شرم مرا رخصت نكاه. در هجر ووصل روى بديوار داشتم { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } اى جميع ما فرط منك من ترك الاولى وتسميته ذنبا بالنظر الى منصبه الجليل لان حسنات الابرار سيئات المقربين على ما قاله ابو سعيد الخراز قدس سره (وفى المثنوى) آنكه عين لطف باشد برعوام. قهر شد برعشف كيشان كرام. قال بعضهم اى جميع ما صدر منك قبل النبوة وبعدها مما يطلق عليه الذنب قال فى شرح المواقف حمله على ما تقدم على النبوة وما تأخر عنها لادلالة اللفظ عليه اذيجوز ان يصدر عنه قبل النبوة صغيرتان احداهما متقدمة على الاخرى انتهى وفيه انه يصح أن يطلق على كل من الصغيرتين انهما قبل النبوة فان التقدم والتأخر اضافى وهو اللائح قال اهل الكلام ان الانبياء معصومون من الكفر قبل الوحى وبعده باجماع العلماء ومن سائر الكبائر عمدا بعد الوحى واما سهوا فجوزه الاكثرون واما الصغائر فتجوز عمدا عند الجمهور وسهوا بالاتفاق واما قبل الوحى فلا دليل بحسب السمع او العقل على امتناع صدور الكبيرة وقال عطاء الخراسانى ما تقدم من ذنبك اى ذنب ابويك آدم وحواء ببركتك روى ان آدم لما اعترف بالخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمد أن تغفر لى فقال الله يا آدم كيف عرفت محمد ولم اخلقه قال لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله فعرفت انك لم تضف إلى اسمك الا اسم احب الخلق اليك فقال الله صدقت يا آدم انه لأحب الخلق الى فغفرت لك ولولا محمد لما خلقتك رواه البيهقى فى دلائله وما تأخر من ذنوب امتك بدعوتك وشفاعتك. سلمى قدس سره فرمودكه ذنب آدم رابوى اضافت كردجه در وقت زلت در صلب وى بوده وكناه امت را بوى اسناد فرمودجه او بيش رودكار ساز ايشانست. وقال ابن عطاء قدس سره لما بلغ عليه السلام سدرة المنتهى ليلة المعراج قدم هو وأخر جبريل فقال لجبريل "تتركنى فى هذا الموضع وحدى" فعاتبه الله حين سكن الى جبريل فقال { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } فيكون كل من الذنبين بعد النبوة وقال سفيان الثورىرحمه الله ما تقدم ما عملت فى الجاهلية وما تأخر مالم تعمله قال فى كشف الاسرار ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال أعطى من رآه ومن لم يره وضرب من لقيه ومن لم يلقه انتهى لكن فيه انه خارج من ادب العبارة فالواجب أن يقال ما تقدم اى ما عملت قبل الوحى وقيل ما تقدم من ذنب يوم بدر وما تأخر من ذنب يوم حنين حيث قال يوم بدر "اللهم أن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الارض ابدا" وكرره مرارا فأوحى الله اليه من اين تعلم انى لو اهلكتها لا اعبد ابدا فكان هذا الذنب المتقدم وقال يوم حنين بعد أن هزم الناس ورجعوا اليه "لو لم ارمهم" اى الكفار "بكف الحصى لم يهزموا" فأنزل الله { وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى } وهو الذنب المتأخر لكن فيه ان المتأخر متأخر عن الوقعة فيكون وعدا بغفران ما سيقع منه قال فى بحر العلوم وأبعد من هذا قول ابى على الرود بادىرحمه الله لو كان لك ذنب قديم او حديث لغفرناه لك انتهى. يقول الفقير ابو على قدس سره من كبار العارفين فكيف يصدر عنه ما هو ابعد عند العقول بل كلامه من قبيل قوله من عرف الله عرف كل شئ يعنى لو تصورت معرفة الله لاحد وهى لا تتصور حقيقة وكذا لو تصور منه عليه السلام ذنب لغفر له لكنه لا يتصور لانه فى جميع احواله اما مشتغل بواجب او بمندوب لا غير فهو كالملائكة فى انه لا يصدر منه المخالفة ولى معنى آخر فى هذا المقام وهو ان المراد بالمغفرة الحفظ والعصمة ازلا وابدا فيكون المعنى ليحفظك الله ويعصمك من الذنب المتقدم والمتأخر فهو تعالى انما جاء بما قدم اشارة الى انه عليه السلام محفوظ معصوم فى اللاحق كما فى السابق فاعرفه وفى الفتوحات المكية استغفارالانبياء لا يكون عن ذنب حقيقة كذنوبنا وانما هو عن امر يدق عن عقولنا لانه لا ذوق لنا فى مقامهم فلا يجوز حمل ذنوبهم على ما نتعقله نحن من الذنب انتهى ومؤآخذة الله عباده فى الدنيا والآخرة تطهير لهم ورحمة وفى حق الانبياء من جهة العصمة والحفظ والعقاب لا يكون الا فى مذنب والعقوبة تقتضى التأخر عن المتقدم لانها تأتى عقبه فقد تجد العقوبة الذنب فى المحل وقد لا تجده اما بأن يقلع عنه واما ان يكون الاسم العفو والغفور استوليا عليه بالاسم الرحيم فزال فترجع العقوبة حاسرة ويزول عن المذنب اسم الذنب لانه لا يسمى مذنبا الا فى حال قيام الذنب به كما فى كتاب الجواهر والدرر للشعرانى وقال الشعرانى فى الكبريت الاحمر قلت ويجوز حمل نحو قوله { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } على نسبة الذنب اليه من حيث ان شريعته هى التى حكمت بأنه ذنب فلولا اوحى به اليه ما كان ذنبا فجميع ذنوب امته يضاف اليه والى شريعته بهذا التقدير وكذلك ذنب كل نبي ذكره الله وقد قالوا لم يعص آدم وانما عصى بنوه الذين كانوا فى ظهره فما كان قوله { ليغفر لك } الخ الا تطمينا له عليه السلام ان الله قد غفر جميع ذنوب امته التى جاءت بها شريعته ولو بعد عقوبة باقامة الحدود عليهم فى دار الدنيا كما وقع لماعز ومن الواجب على كل مؤمن انتحال الاجوبة للاكابر جهده وذلك مما يحبه الله ويحب من احبنا عنه فافهم هذا اعتقادنا الذى نلقى الله عليه ان شاء الله تعالى انتهى وفى التأويلات النجمية { انا فتحنا لك فتحا مبينا } يشير الى فتح باب قلبه عليه السلام الى حضرة ربوبيته بتجلى صفات جماله وجلاله وفتح ما انفلق على جميع القلوب { ليغفر لك ما تقدم من ذنبك } اى ليسترلك بانوار جلاله ما تقدم من ذنب وجودك من بدأ خلق روحك وهو اول شئ تعلقت به القدرة كما قال "اول ما خلق الله روحى" وفى رواية نورى وما تأخز اى من ذنب وجودك الى الابد وذنب الوجود هو الشركة فى الوجود وغفره ستره بنور الوحدة لمحو آثار الاثنينية انتهى وقال بعض الاكابر اعلم ان فتوح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة اولها الفتح القريب وهو فتح باب القلب بالترقى عن مقام النفس وذلك بالمكاشفات الغيبية والانوار اليقينية وقد شاركه فى ذلك اكثر المؤمنين وثانيها الفتح المبين بظهور انوار الروح وترقى القلب الى مقامه وحينئذ تترقى النفس الى مقام القلب فتستتر صفاتها المظلمة بالانوار القلبية وتنتفى بالكلية وذلك معنى قوله تعالى { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } فالسابقة الهيئات المظلمة على فتح باب القلب والمتأخرة الهيئات النورانية المكتسبة بالانوار القلبية التى تظهر فى التلوينات فيخفى حالها ولا تنتفى هذه بالفتح القريب وان انتفت الاولى لأن مقام القلب لا يكمل الا بعد الترقى الى مقام الروح واستيلاء انواره على القلب فيظهر تلوين القلب وينتفى تلوين النفس بالكلية ويحصل فى هذا الفتح مغانم المشاهدات الروحية والمسامرات السرية وثالثها الفتح المطلق المشار اليه بقوله { اذا جاء نصر الله والفتح } وهو فتح باب الوحدة بالفناء المطلق والاستغراق فى عين الجمع بالشهود الذاتى. وظهور النور الاحدى فمن صحت له متابعة النبى عليه السلام اثابه الله مغانم كثيرة وفتوحات فان حسن المتابعة سبب لفيضان الانوار الالهية بواسطة روحانية النبى عليه السلام (قال الشيخ سعدى قدس سره) خلاف بيمبر كسى ره مزيد. كه هركز بمنزل نخواهد رسيد. مبندار سعدى كه راه صفا. توان رفت جزبربى مصطفى. وذلك ان الفلاسفة والبراهمة والرهابنة ادعوا بمعرفة الله والوصول إليه بطريق العقل والرياضة والمجاهدة من غير متابعة الانبياء وارشاد الله تعلى فانقطعوا دون الوصول اليه { ويتم نعمته عليك } باعلاء الدين وضم الملك الى النبوة وغيرهما مما افاضه عليه من النعم الدينية والدنيوية { ويهديك صراطاً مستقيماً } فى تبليغ الرسالة واقامة مراسم الرياسة واصل الاستقامة وان كانت حاصلة قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبل الحق واستقامة مناهجه ما لم يكن حاصلا قبل