خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
١٣
-الحجرات

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى } اى من آدم وحوآء عليهما السلام او خلقنا كل واحد منكم من اب وام فالكل سوآء فى الانتساب الى ذكر وانثى ايا كانا فلا وجه للتفاخر بالنسب

الناس من جهة التمثال اكفاه ابو همو آدم والام حوآء
فان يكن لهمو من اصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء
از نسب آدميانى كه تفاخر ورزند ازره دانش وانصاف جه دور افتادند
نرسد فخر كسى رابنسب برد كرى جونكه دراصل زيك آدم وحوازادند

نزلت حين أمر النبى عليه السلام بلالا رضى الله عنه ليؤذن بعد فتح مكة فعلا ظهر الكعبة فأذن فقال عتاب بن اسيد وكان من الطلقاء الحمد لله الذى قبض ابى حتى لم ير هذا اليوم وقال الحارث بن هشام اما وجد رسول الله سوى هذا الغراب يعنى بلالا وخرج ابو بكر بن ابى داود فى تفسير القرءآن ان الآية نزلت فى ابى هند حين أمر رسول الله بنى بياضة أن يزوجوه امرأة منهم فقالوا يا رسول الله تتزوج بناتنا مواليها فنزلت وفيه اشارة الى ان الكفاءة فى الحقيقة انما هى بالديانة اى الصلاح والحسب والتقوى والعدالة ولو كان مبتدعا والمرأة سنية لم يكن كفؤا لها كما فى النتف وسئل الرستغفنى عن المناكحة بين اهل السنة وبين اهل الاعتزال فقال لا يجوز كما فى مجمع الفتاوى { وجعلناكم شعوبا وقبائل } وشمارا شاخ شاخ كرديم وخاندان خاندان. والشعب بفتح الشين الجمع العظيم المنتسبون الى اصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة بكسر العين تجمع البطون والبطون تجمع الافخاذ والفخذ تجمع الفضائل والفضيلة تجمع العشائر وليس بعد العشيرة حى يوصف به كما فى كشف الاسرار فخزيمة شعب وكنانة وقبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فضيلة وسميت الشعوب لان القبائل تتشعب منها كتشعب اغصان الشجرة وسميت القبائل لانها يقبل بعضها على بعض من حيث كونها من اب واحد وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب والاسباط من بنى اسرآئيل والشعوب من قحطان والقبائل من عدنان { لتعارفوا } اصله لتتعارفوا حذفت احدى التاءين اى ليعرف بعضكم بعضا بحسب الانساب فلا يعتزى احد الى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل وتدعوا التفاوت والتفاضل فى الانساب (وقال الكاشفى) يعنى دوكس كه بنام متحد باشند بقبيلة متميز ميشوند جنانجه زيد تميمى از زيد قرشى { ان اكرمكم عند الله أتقاكم } تعليل للنهى عن التفاخر بالانساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف التحقيقى كأن قيل ان الاكرم عنده تعالى هو الأتقى وان كان عبدا حبشيا اسود مثل بلال فان فاخرتم ففاخروا بالتقوى وبفضل الله ورحمته بل بالله تعالى ألا ترى الى قوله عليه السلام "انا سيد ولد آدم ولا فخر" اى ليس الفخر لى بالسيادة والرسالة بل العبودية فانها شرف اى شرف وكفى شرفا تقديم العبد على الرسول فى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (وروى) ان رسول الله عليه السلام مر فى سوق المدينة فرآى غلاما اسود يقول من اشترانى فعلى شرط ان لا يمنعنى عن الصلوات الخمس خلف رسول الله فاشتراه رجل فكان رسول الله يراه عند كل صلاة ففقده فسأل عنه صاحبه فقال محموم فعاده ثم سأل عنه بعد ايام فقيل هو كابه اى متهيئ للموت الذى هو لاحق به فجاءه وهو فى بقية حركته وروحه فتولى غسله ودفنه فدخل على المهاجرين والانصار امر عظيم فنزلت الآية { ان الله عليم } بكم وبأعمالكم { خبير } ببواطن احوالكم قال ابن الشيخ فى حواشيه والنسب وان كان معتبرا عرفا وشرعا حتى لا تتزوج الشريفة بالنبطى قال فى القاموس النبط محركة جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين وهو نبطى محركة انتهى الا انه لا عبرة به عند ظهور ما هو اعظم قدراً منه وأعز وهو الايمان والتقوا كما لا تظهر الكواكب عند طلوع الشمس فالفاسق وان كان قرشى النسب وقارون النشب لا قدر له عند المؤمن التقى وان كان عبداً حبشيا والامور التى يفتخر بها فى الدنيا وان كانت كثيرة لكن النسب اعلاها من حيث انه ثابت مستمر غير مقدور التحصيل لمن ليس له ذلك بخلاف غيره كالمال مثلا فانه قد يحصل للفقير مال فيبطل افتخار المفتخر به عليه وكذا الاولاد والبساتين ونحوها فلذلك خص الله النسب بالذكر وابطال اعتباره بالنسبة الى التقوى ليعلم منه بطلان اعتبار غيره بطريق الاولى انتهى وفى الحديث "ان ربكم واحد وأبوكم واحد لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأحمر على اسود ولا لأسود على احمر الا بالتقوى" وعلى هذا اجماع العلماء كما فى بحر العلوم هركرا تقوى بيشتر قدم اودر مرتبة فضل بيشتر، الشرف بالفضل والادب لا بالاصل والنسب

يا ادب باش تا بزرك شوى كه بزركى نتيجة ادبست

قال بعض الكبار المفاضلة بين الخلق عند الله لنسبهم لا لنسبتهم فهم من حيث النسبة واحد ومن حيث النسب متفاضلون ان أكرمكم عند الله أتقاكم ولا يصح التفاضل بالاعمال فقد يسبق التابع المتبوع ولو كان الشرف للاشياء من حيث شأنها او مواطنها لكان الشرف لابليس على آدم فى قوله { خلقتنى من نار وخلقته من طين } ولكن لما كان الشرف اختصاصا الهيا لا يعرف الا من جانب الحق تعالى جهل ابليس فى مقالته تلك وصح الشرف لادم عليه السلام عليه والخيرية وسئل عيسى عليه السلام اى الناس اشرف فقبض قبضتين من تراب ثم قال اى هذين اشرف ثم جمعهما وطرحهما وقال الناس كلهم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاهم قال سلمان الفارسى رضى الله عنه

ابى الاسلام لا اب لى سواه اذا افتخروا بقيس او تميم

وفى الحديث "ان الله لا ينظر الى صوركم واعمالكم ولكن ينظر الى قلوبكم ونياتكم"

رءراست با يدنه الاى راست كه كافر هم از روى صورت جوماست

وقال عليه السلام "يا أيها الناس انما الناس رجل مؤمن تقى كريم على الله وفاجر شقى هين على الله" وعن ابن عباس رضى الله عنهما كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى (وروى) عن ابى هريرة رضى الله عنه "ان الناس يحشرون يوم القيامة ثم يوقفون ثم يقول الله لهم طالما كنتم تكلمون وانا ساكت فاسكتوا اليوم حتى أتكلم انى رفعت نسبى وابيتم الا انسابكم قلت ان أكرمكم عندى أتقاكم وابيتم انتم فقلتم لا بل فلان ابن فلان وفلان ابن فلان فرفعتم انسابكم ووضعتم نسبى فاليوم أرفع نسبى واضع انسابكم سيعاهل الجمع اليوم من اصحاب الكرم اين المتقون" كما فى كشف الاسرار قال الشافعى اربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة زهد خصى ونقوى جندى وامانة امرأة وعبادة صبى وهو محمول على الغالب كما فى المقاصد الحسنة قال فى التأويلات النجمية يشير بقوله تعالى { يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى } الى خلق القلوب انها خلقت من ذكر وهو الروح وانثى وهى النفس وجعلناكم شعوبا وقبائل اى جعلناها صنفين صنف منها شعوب وهى التى تميل الى امها وهى النفس والغالب عليها صفات النفس وصنف منها قبائل وهى التى تميل الى ابيها وهو الروح والغالب عليها صفات الروح لتعارفوا اى لتتعارفوا اصحاب القلوب وارباب النفوس لا لتتكاثروا وتتنافسوا وتباهوا بالعقول والاخلاق الروحانية الطبيعية فانها ظلانية لا يصلح شئ منها للتفاخر به ما لم يقرن به الايمان والتقوى فان تنورت الافعال والاخلاق والاحوال بنور الايمان والتقوى فلم تكن الافعال مشوبة بالرياء ولا الاخلاق مصحوبة بالاهوآء ولا الاحوال منسوبة الى الاعجاب فعند ذلك تصلح للتفاخر والمباهاة بها كما قال تعالى { ان أكرمكم عند الله أتقاكم } وقال عليه السلام "الكرم التقوى فأتقاهم من يكون ابعدهم من الاخلاق الانسانية واقربهم الى الاخلاق الربانية" والتقوى هو التحرز والمتقى من يتحرز عن نفسه بربه وهو أكرم على الله من غيره انتهى