خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
-الحجرات

روح البيان في تفسير القرآن

{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } اى تقاتلوا والجمع حيث لم يقل اقتتلتا على التثنية والتأنيث باعتبار المعنى فان كل طائفة جمع والطائفة من الناس جماعة منهم لكنها دون الفرقة كما دل عليه قوله تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } طائفتان فاعل فعل محذوف وجوبا لا مبتدأ لأن حرف الشرط لا يدخل الا على الفعل لفظا او تقديرا والتقدير وان اقتتل طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فحذف الاول لئلا يلزم اجتماع المفسرو المفسر واصل القتل ازالة الروح عن الجسد { فاصلحوا بينهما } ثنى الضمير باعتبار اللفظ والصلاح الحصول على الحالة المستقيمة النافعة والاصلاح جعل الشئ على تلك الحالة وبالفارسية باصلاح آوردن. اى فاصلحوا بين تينك الطائفتين بالنصح والدعاء الى حكم الله قال عمر بن عبد العزيزرحمه الله من وصل اخاه بنصيحة فى دينه ونظر له فى صلاح دنياه فقد احسن صلته وقال مطرف وجدنا انصح العباد لله الملائكة ووجدنا أغش العباد لله الشياطين يقال من كتم السلطان نصحه والاطباء مرضه والاخوان بثه فقد خان نفسه والاصلاح بين الناس اذا تفاسدوا من اعظم الطاعات واتم القربات وكذا نصرة المظلوم وفى الحديث "الااخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال اصلاح ذات البين" وقال لقمان يا بنى كذب من يقول ان الشر يطفى الشر فان كان صادقا فليوقد نارين ثم لينظر هل تطفئ احداهما الاخرى وانما يطفئ الماء النار وفى الحديث "المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يعيبه ولا يتطاول عليه فى البنيان فيستر عنه الريح الا بأذنه ولا يؤذيه بقتار قدره الا ان يغرف له منها ولا يشترى لبنيه الفاكهة فيخرجون بها الى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها" وقال بعض العارفين سعى الانسان فى مصالح غيره من اعظم القربات الى الله تعالى وتأمل فى موسى عليه السلام لما خرج يمشى فى الظلمة فى حق اهله ليطلب لهم نارا يصطلون بها ويقضون بها الا امر الذى لا يقضى الا بها فى العادة كيف انتج له ذلك الطلب سماع كلام ربه من غير واسطة ملك فكلمه الله فى عين حاجته وهى النار ولم يكن يخطر له هذا المقام بخاطر فلم يحصل له الا فى وقت السعى فى مصالح العيال وذلك ليعلمه الله بما فى قضاء حوائج العائلة من الفضل فيزيد حرصا فى سعيه فى حقهم لانهم عبيده على كل حال وكذلك لما وقع لموسى الفرار من الاعدآء الذين طلبوا قتله انتج له ذلك القرار الحكم والرسالة كما قال { ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين } وذلك لان فراره كان سعيا فى حق الغير الذى هو النفس الناطقة المالكة تدبير هذا البدن فان فرار الاكابر دآئما انما يكون فى حق الغير لا فى حق انفسهم فكان الفار من موسى النفس الحيوانية وكذلك لما خرج الخضر عليه السلام يرتاد الماء للجيش الذى كان معه حين فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منها عاش الى زمننا هذا والحال انه كان لا يعرف ما خص الله به شارب ذلك الماء من الحياة فلما عاد وأخبر أصحابه بالماء سارعوا الى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يهتدوا الى موضعه (كما قال الحافظ)

سكندررانمى بخشند آبى بزور وزر ميسر نيست اين كار

فانظر ما انتج له سعيه فى حق الغير واعمل عليه والآية نزلت فى قتال احدث بين الاوس والخزرج فى عهده عليه السلام بالسعف وهى اغصان النخل اذا يبست والنعال فقال ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام مريوما على ملأ من الانصار فيهم عبد الله بن ابى المنافق ورسول الله عليه السلام على حماره فوقف عليهم بعضهم فبال حماره أوراث فأمسك عبد الله بن ابى انفه وقال نح عنا نتن حمارك فقد آذيتنا بنتنه فمن جاءك منا فعظه فسمع ذلك عبد الله بن رواحة رضى الله عنه فقال ألحمار رسول الله تقول هذا والله ان بول حمار رسول الله اطيب رآئحة منك فمر عليه السلام وطال الكلام بين عبد الله بن ابى المنافق الخزرجى وعبد الله بن رواحة الاوسى حتى استبا وتجالدا وجاء قوم كل واحد منهما من الاوس والخزرج وتجالدوا بالعصى او بالنعال والايدى او بالسيف ايضا فنزلت الآية فرجع اليهم رسول الله قلنا احدى الطائفتين هى عبد الله بن ابى وعشيرته ولم يكن كلهم منافقين فالآية تتناول المؤمنين منهم او المراد بالمؤمنين من اظهر الايمان سوآء كان مؤمنا حقيقة او ادعاء وقيل فى سبب النزول غير هذا ويحتمل ان تكون الروايات كلها صحيحة ويكون نزول الآية عقيب جميعها وقال ابن بحر القتال لا يكون بالنعال والايدى وانما هذا فى المنتظر من الزمان انتهى.
يقول الفقير فسروا بالقتل بفعل يحصل به زهوق الروح كالضرب بآلة الحرب والمحدد ولو من خشب ونحو ذلك مما يفرق الا جزآء ولا شك ان السعف من قبل الخشب المحدد واما النعال فان بعضها يعمل عمل الخشب المحدد كما شاهدنا فى نعال بعض الاعراب على ان القتال قد يستعمل مجازا فى المحاربة والمضاربة فقد وقع القتال مطلقا فى زمن النبى عليه السلام واما حرف الشرط فاشارة الى انه لا ينبغى ان يصدر القتال من المؤمنين الا فرضا مع ان خصوص السبب لا ينافى عموم الحكم فالآية عامة فى جميع المسلمين الى يوم القيامة على تقدير القتال فاعرف { فان بغت } اى تعدت يقال بغى عليه بغيا علا وظلم وعدل عن الحق واستطال كما فى القاموس واصل البغى طلب ما ليس بمستحق فان البغى الطلب { احداهما } وكانت مبطلة { على الاخرى } وكانت محقة ولم تتأثر اى الباغية بالنصيحة { فقاتلوا التى تبغى } اى قاتلوا الطائفة الباغية { حتى تفيئ } اى ترجع فان الفيء الرجوع الى حالة محمودة { الى امر الله } اى الى حكمه الذى حكم به فى كتابه العزيز وهو المصالحة ورفع العداوة او الى ما امر به وهو الاطاعة المدلول عليها بقوله
{ اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم } فأمر الله على الاول واحد الامور وعلى الثانى واحد الاوامر وانما اطلق الفيئ على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس اى ازالتها اياه فان الشمس كلما ازدادت ارتفاعا ازداد الظل انتساخا وزوالا وذلك الى ان توازى الشمس خط نصف النهار فاذا زالت عنه وأخذت فى الانحطاط اخذ الظل فى الرجوع والظهور فلما كان الزوال سببا لرجوع ما انتسخ من الظل اضيف الظل الى الزوال فقيل فيئ الزوال واطلق ايضا على الغنيمة لرجوعها من الكفار الى المسلمين وتلك الاموال وان لم تكن اولا للمسلمين لكنها لما كانت حقهم ليتوسلونها الى طاعته تعالى كانت كأنها لهم اولا ثم رجعت. ومر الاصمعى بحى من احياء العرب فوجد صبيا يلعب مع الصبيان فى الصحرآء ويتكلم بالفصاحة فقال الاصمعى اين اباك يا صبى فنظر اليه الصبى ولم يجب ثم قال اين ابيك فنظر اليه ولم يجب كالاول ثم قال اين ابوك فقال فاء الى الفيفاء لطلب الفيئ فاذا فاء الفيئ فاء اى رجع { فان فاءت } اليه واقلعت عن القتال حذارا من قتالكم { فاصلحوا بينهما بالعدل } والانصاف بفصل ما بينهما على حكم الله ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى ان يكون بينهما قتال فى وقت آخر (قال الحافظ) جويبار ملك راآب سرشمشيرتست خوش درخت عدل نشان بيخ بدخواهان بكن قل كيخسرو اعظم الخطايا محاربة من يطلب الصلح وتقييد الاصلاح بالعدل ههنا دون الاول لانه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وهى تورث الاحن فى الغالب وقد أكد ذلك حيث قيل { واقسطوا } اى واعدلوا فى كل ما تأتون وما تذرون من اقسط اذا ازال القسط بالفتح اى الجور يقال اذا جاء القسط بالكسر اى العدل زال القسط بالفتح اى الجور وقال بعضهم الاقساط ان يعطى قسط غيره اى نصيبه وذلك انصاف { ان الله يحب المقسطين } اى العادلين الذين يؤدون لكل ذى حق حقه فيجازيهم باحسن الجزاء (قال الكاشفى)

عدل راشكر هست جان افزاى عدل مشاطه ايست ملك اراى
عدل كن زانكه در ولايت دل در بيغمبرى زند عادل

(وقال الحافظ)

شاه رابه بود از طاعت صد ساله وزهد قدر يكساعته عمرى كه درو داد كند

قال بعض الكبار كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وان كان الحق ما ستخلفه بالخطاب الالهى فان من الخلفاء من اخذ المرتبة بنفسه من غير عهد الهى اليه بها وقام بالعدل فى الرعايا استنادا الى الحق كما قال عليه السلام "ولدت فى زمان الملك العادل" يعنى كسرى فسماه ملكا ووصفه بالعدل ومعلوم ان كسرى فى ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من ورآء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعدل فى الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وامثاله من المنازعين لحدود الله والمغالبين لجنابه بمغالبة رسله فان هؤلاء ليسوا بخلفاء الله تعالى كالرسل ولا نواباً له كالملوك العادلة بلهم اخوان الشياطين قال بعضهم

شه كسرى از ظلم ازان ساده است كه در عهد او مصطفى زاده است

اى كان عدله من انعكاس نورانيته صلى الله عليه وسلم فاعرف جدا وفى الآية دلالة على ان الباغى لا يخرج بالبغى عن الايمان لان احدى الطائفتين فاسقة لا محالة اذ اقتتلتا وقد سماهما مؤمنين وبه يظهر بطلان ما ذهب اليه المعتزلة والخوارج من خروج مرتكب الكبيرة عن الايمان ويدل عليه ما روى عن على رضى الله عنه انه سئل وهو القدوة فى قتال اهل البغى أعلمنا اهل الجمل وصفين أمشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل أمنافقون هم فقال لا ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا قيل فما حالهم قال اخواننا بغوا علينا وايضا فيها دلالة على ان الباغى اذا امسك عن الحرب ترك لانه قام الى امر الله وانه يجب معاونة من بغى عليهم بعد تقديم النصح والسعى فى المصالحة بدلالة قوله فأصلحوا بينهما فان النصح والدعاء الى حكم الله اذا وجب عند وجود البغى من الطائفتين فلأن يجب عند وجوده من احداهما اولى لان ظهور اثره فيها اوحى. واعلم ان الباغى فى الشرع هو الخارج على الامام العادل وبيانه فى الفقه فى باب البغاة قال سهلرحمه الله فى هذه الآية الطائفتان هما الروح والقلب والعقل والطبع والهوى والشهوة فان بغى الطبع والهوى والشهوة على العقل والقلب والروح فيقاتل العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وانوار الموافقة ليكون الروح والعقل غالبا والهوى والشهوة مغلوبا وقال بعضهم النفس اذا ظلمت على القلب باستيلاء شهواتها واستعلائها فى فسادها يجب ان تقاتل حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة فان استجابت بالطاعة فيعفى عنها لانها هى المطية الى باب الله ولا بد من العدل بين القلب والنفس لئلا يظلم القلب على النفس كما لا يظلم النفس على القلب لان لنفسك عليك حقا نسأل الله اصلاح البال واعتدال الحال