خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١٠
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } التى من جملتها ما تليت من النصوص الناطقة بالامر بالعدل والتقوى { اولئك } الموصوفون بما ذكر من الكفر وتكذيب الآيات { اصحاب الجحيم } ملابسوها ملابسة مؤبدة وفيه مزيد وعد للمؤمنين لان الوعيد اللاحق باعدائهم مما يشفى صدورهم ويذهب ما كانوا يجدونه من اذاهم فان الانسان يفرح بان يهدد اعداؤ.
واعلم ان الله تعالى صرح للمؤمنين الامر بالعدل وبين انه بمكان من التقوى بعد ما نهاهم عن الجور وبين انه مقتضى الهوى لكون الحامل عليه البغض والشنآن فعلى المؤمن العدل فى حق الاولياء والاعداء خصوصا فى حق نفسك واهلك واولادك لما ورد
"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"
.ووجد فى سرير انوشروان مكتوبا ـ الملك لا يكون الا بالامارة والامارة لا تكون الا بالرجال ولا تكون الرجال الا بالاموال ولا تكون الاموال الا بالعمارة ولا تكون العمارة الا بالعدل بين الرعايا والسلطان شريك رعاياه فى كل خير عملوه ـ: قال الحافظ

شاه را به بود از طاعت صدساله وزهد قدريك ساعت عمرى كه درو دادكند

وفى ترجمة وصايا الفتوحات لمحمد بن واسع [ازا كابردين است روزى بر بلال بن برده كه والىء وقت بود در آمد واودر عيش بود وبيش اوبرف نهاده وبتنعم تمام تشسته محمد بن واسع راكفت يا ابا عبد الله اين خانه مارا جون بينى كفت اين خانه خوش است وليكن بهشت ازين خواشتراست وذكر آتش دوزخ از امثال اين غافل كرداند برسيدكه جه ميكويى درباب قدر كفت در همراز كان توكه درين مقابر مدفونند فكرى بكن تا از قدر برسيدن مشغول شوى كفت براى من دعا كن كفت دعاى من جه ميكنى وبر دركاه توجندين مظلومند همه برتو دعا ميكنند ودعاى ايشان بيشتر بالاميرود ظلم مكن وبدعاء من حاجت نيست] ومن كلمات بهلول لهارون حين قال له من انا قال انت الذى لو ظلم احد فى المشرق وانت فى المغرب سألك الله عن ذلك يوم القيامة فبكى هارون.
وفى عين المعانى العالم لا يدخل على الظلمة تحاميا عن الدعاء لهم بالبقاء فورد من دعا لظالم بالبقاء فقد احب ان يعصى الله فى ارضه فلا بد من النصيحة وترك المداهنة وفى الحديث
"ما ترك الحق لعمر من صديق"
.وقال الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر

لما ادمت النصح والتحقيقا لم يتركا لى فى الوجود صديقا

قال السعدى قدس سره

بكوى آنجه دانى سخن سودمند وكر هيج كس را نيايد بسند

وبالجملة ان العدل من احسن الاخلاق ـ وحكى ـ ان انوشروان لما مات كان يطاف بتابوته فى جميع مملكته وينادى منادى من له علينا حق فليأت فلم يوجد احد فى ولايته عليه حق من درهم ولذا اشتهر بالعدل اشتهار حاتم بالجود حتى صار العادل لقبا له فلفظ العادل انما يطلق عليه لعدم جوره وظهور عدله لمجرد المدح والثناء عليه. واما سلاطين الزمان فلظهور جورهم وعدم اتصافهم بالعدل منعوا عن اطلاق العادل عليهم اذ اطلاقه عليهم حينئذ انما يكون لمجرد المدح لهم والثناء عليهم فيكون كذبا وكفرا فجواز اطلاق العادل على الكافر المنصف وعدم جواز اطلاقه على المسلمين الجائرين ليس بالنظر الى متانة العدل بل ذاك ليس الا ان العدل والجور متناقضان فلا يجتمعان.
قال فى زهرة الرياض اذا كان يوم القيامة ينصب لواء الصدق لابى بكر رضى الله عنه وكل صديق يكون تحت لوائه. ولواء العدل لعمر رضى الله عنه وكل عادل يكون تحت لوائه. ولواء السخاوة لعثمان رضى الله عنه وكل سخى يكون تحت لوائه. ولواء الشهداء لعلى رضى الله عنه وكل شهيد يكون تحت لوائه وكل فقيه تحت لواء معاذ بن جبل. وكل زاهد تحت لواء ابى ذر. وكل فقير تحت لواء ابى الدرداء. وكل مقرىء تحت لواء ابى بن كعب. وكل مؤذن تحت لواء بلال. وكل مقتول ظلما تحت لواء الحسين بن على فذلك قوله تعالى
{ { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } [الإسراء: 71] الآية.
والعدل فى الحقيقة هو الوسط المحمود فى كل فعل وقول وخلق وهو المأمور به فى قوله تعالى
{ { فاستقم كما أمرت } [هود: 112].
ولقد صار من نال اليه كالكبريت الاحمر والمسك الاذفر ومن الله الهداية والتوفيق آمين.