خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
١٠٥
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا ايها الذين ءآمنوا عليكم أنفسكم } اى الزموا اصلاح انفسكم وحفظها مما يوجب سخط الله وعذاب الآخرة { لا يضركم } ضلال { من ضل } بالفارسى [زيانى نرساند شمارا بى راهىء آنكس كه كمراه شد] { اذا اهتديتم } اذا كنتم مهتدين. والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون ايمانهم وفيهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالامر والنهى { الى الله } لا لاحد سواه { مرجعكم } رجوعكم يوم القيامة { جميعا } الضلال والمهتدى { فينئبكم بما كنتم تعملون } فى الدنيا من اعمال الهداية والضلال اى فيجازيكم على ذلك فهو وعد ووعيد للفريقين المهتدين والضالين وتنبيه على ان احدا لا يؤاخذ بعمل غيره ولا يتوهمنّ ان فى الآية رخصة فى ترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر مع استطاعتهما كيف لا ومن جملة الاهتداء ان ينكر على المنكر حسب الطاقة

اكر بينى كه نابينا وجاهست اكر خاموش بنشينى كناهست

وفى الحديث "من رأى منكم منكرا ان استطاع ان يغيره فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه" .
"وقد روى ان الصديق قال يوما على المنبر يا ايها الناس انكم تقرأون هذه الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هى وانما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الناس اذا رأوا منكرا فلم يغيروه عمهم الله بعقاب"
.فامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ولا تغتروا بقول الله تعالى { يا ايها الذين } الآية فيقول احدكم علىّ نفسى والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر او ليستعملن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعن خياركم فلا يستجاب لهم.
ولو قيل لرجل لم لا تأمر بالمعروف قال [مراجه كارست] او قيل لرجل [فلانرا امر معروف كن] فقال [مرا اوجه كرده است] او قال [من عافيت كزيده ام] او قال [مرا با اين فضولى جه كار] يخاف عليه الكفر فى هذه الصور: قال المولوى قدس سره

توز كفتار تعالوا كم مكن كيمياى بس شكرفست اين سخن
كرمسى كردد ز كفتارت نفير كيميارا هيج ازوى وامكير

فالامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض لا يسقط الا عند العجز عن ذلك وكان السلف مغدورين فى بعض الازمان فى ترك الانكار باليد واللسان

جو دست وزبانرا نماند مجال بهمت نمايند مردى رجال

والحاصل ان هذا يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال والاوقات فعلى المحب ان لا يتجاوز عن الحد ويراعى حكم الوقت فان لكل زمان دولة ورجالا.
والاشارة { يا ايها الذين آمنوا } اى ايمان الطالبين الموقنين بان الوجدان فى الطلب كما قال تعالى
"الا من طلبنى وجدنى"
.{ عليكم انفسكم } فاشتغلوا بتزكيتها فانه قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها فلا تشتغلوا قبل تزكيتها بتزكية نفوس الخلق ولا تغتروا بارادة الخلق وبقولهم وحسن ظنهم فيكم وتقربهم اليكم فانها للطالب سم الساعة وان مثل السالك المحتاج الى المسلك والذى يدعى ارادته ويتمسك به كمثل غريق فى البحر محتاج الى سابح كامل فى صنعته لينجيه من الغرق فيتشبث به غريق آخر فى البحر وهو يأخذ بيده لينجيه فيهلكان جميعا فالواجب على الطالب المحق ان يتمسك بذيل ارادة صاحب دولة فى هذا الشأن مسلك كامل ويستسلم للاحكام ولا يلتفت الى كثرة الهالكين فانه لا يهلك على الله الا هالك { لا يضركم } ايها الطالبون { من ضل } من المغرقين والمضلون بسلاسل القهر والخذلان على طريق المكر والعصيان { فينبئكم بما كنتم تعملون } اى فيذيقكم لذة ثواب اعمالكم او الم عقوبة اعمالكم والمعنى ليس للطالب ان يلتفت فى اثناء سلوكه الى احد من اهل الصدق والارادة بان يقبله ليربيه ويغتر بانه شيخ يقتدى به الى ان يتم امر سلوكه بتسليك مسلك كامل واصل ثم ان يرى شيخه ان له رتبة الشيخوخة فيثبته باشارة التحقق فى مقام التربية ودعوة الخلق فحينئذ يجوز له ان يكون هاديا مرشدا للمريدين باحتياط وافر فقد قال تعالى { { ولكل قوم هاد } [الرعد: 7].
فاما فى زماننا هذا فقد آل الامر الى ان من لم يكن مريدا قط يدعى الشيخوخة ويخبر بالشيخوخة الجهال والضلال من جهالته وضلالته حرصا لانتشار ذكره وشهرته وكثرة مريديه وقد جعلوا هذا الشأن العظيم والثناء الجسيم لعب الصبيان وضحكة الشيطان حتى يتوارثونه كلما مات واحد منهم كانوا يجلسون ابنه مقامه صغيرا كان او كبيرا ويلبسون منه الخرق ويتبركون به وينزلونه منازل المشايخ فهذه مصيبة قد عمت ولعل هذه الطريق قد تمت فاندرست آثارها والله اعلم باخبارها الى ههنا من الاشارة من التأويلات النجمية.