{ اذ قال الله يا عيسى ابن مريم } اى اذكروا ايها المؤمنون وقت قول الله تعالى لعيسى ابن مريم وهو يوم القيامة { اذكر نعمتى } اى انعامى { عليك وعلى والدتك } وليس المراد بامره عليه السلام يومئذ بذكر النعم تكليف الشكر اذ قد مضى وقته فى الدنيا بل ليكون حجة على من كفر حيث اظهر الله على يده معجزات كثيرة فكذبته طائفة وسموه ساحرا وغلا آخرون فاتخذوه الٰه فيكون ذلك حسرة وندامة عليهم يوم القيامة والفائدة فى ذكر امه ان الناس تكلموا فيها ما تكلموا ثم عد الله تعالى عليه نعمة نعمة فقال { اذ ايدتك } ظرف لنعمتى اى اذكر انعامى عليكم وقت تأييدى لك { بروح القدس } اى بجبريل الطاهر على ان القدس الطهور واضيف اليه الروح مدحا له بكمال اختصاصه بالطهر كما فى رجل صدق ومعنى تأييده به ان جبريل عليه السلام يجعل حجته ثابتة مقررة { تكلم الناس فى المهد وكهلا } استئناف مبين لتأييده عليه السلام والمعنى تكلمهم فى الطفولة والكهولة على سواء اى من غير ان يوجد تفاوت بين كلامه طفلا وبين كلامه كهلا فى كونه صادرا عن كمال العقل وموافقا لكمال الانبياء والحكماء فانه تكلم حال كونه فى المهد اى فى حجر الام او الذى يربى فيه الطفل بقوله { { إنى عبد الله ءآتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلٰوة والزكٰوة ما دمت حيا } [مريم: 30-31].
وتكلم كهلا بالوحى والنبوة فتكلمه فى تينك الحالتين على حد واحد وصفة واحدة من غير تفاوت معجزة عظيمة حصلت له وما حصلت لاحد من الانبياء قبله ولا بعده وكل معجزة ظهرت منه كما انها نعمة فى حقه فكذلك هى نعمة فى حق امه لانها تدل على براءة ساحتها مما نسبوها اليه واتهموها به وحمل مريم ما كان من الرجال كسائر النساء وانما كان بروح منه كما قال تعالى { { ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } [التحريم: 12].
فهذه نعمة خاصة بمريم وكذلك ولادة عيسى وخلفته ما كانت من نطف الرجال وانما كانت كلمته ألقاها الى مريم وروح منه فهذه نعمة خاصة بعيسى. والكهل من الرجال الذى جاوز الثلاثين ووخطه الشيب اى خالطه وقيل المراد بتكلمه كهلا ان يكلم الناس بعد ان ينزل من السماء فى آخر الزمان بناء على انه رفع قبل ان اكهل فيكون قوله تعالى { وكهلا } دليلا على نزوله ـ وروى ـ ان الله تعالى ارسله وهو ابن ثلاثين سنة فمكث فى رسالته ثلاثين شهرا ثم رفعه الله تعالى اليه وينزل على هذا السن ثم يكهل { واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } اى اذكر نعمتى عليكما وقت تعليمى لك جنس الكتب المنزلة وخص الكتابان بالذكر مع دخولهما فى الجنس اظهارا لشرفهما والمراد بالحكمة العلم والفهم لمعانى الكتب المنزلة واسرارها وقيل هى استكمال النفس بالعلم بها وبالعمل بمقتضاها { وإذ تخلقُ من الطين كهيئةِ الطير } اى تصور منه هيئة مماثلة لهيئة الطير { باذنى } ان بتسهيلى وتيسيرى { فتنفخ فيها } اى فى الهيئة المصورة { فتكون } اى تلك الهيئة { طيرا باذنى } فالخلق حقيقة لله تعالى ظاهر على يده عليه السلام عند مباشرة الاسباب كما ان النفخ فى مريم كان من جبريل والخلق من الله تعالى سألوا منه عليه السلام على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا ان كنت صادقا فى مقالتك فاخذ طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فاذا هو يطير بين السماء والارض وانما طلبوا منه خلق خفاش لانه اعجب من سائر الخلق ومن عجائبه انه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور وله ضرع يخرج منه اللبن ولا يبصر فى ضوء النهار ولا فى ظلمة الليل وانما يرى فى ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل ان يسفر جدا ويضحك كما يضحك الانسان ويحيض كما تحيض المرأة فلما رأوا ذلك منه ضحكوا وقالوا هذا سحر { وتبرىء الاكمه والابرص باذنى } الاكمه الذى ولد اعمى والابرص هو الذى به برص اى بياض فى الجلد ولو كان بحيث اذا غرز بابرة لا يخرج منه الدم لا يقبل العلاج ولذا خصا بالذكر وكلاهما مما اعيى الاطباء: وفى المثنوى
صومعه عيسى است خوان اهل دل هان وهان اى مبتلا اين درمهل
جمع كشتندى زهر اطراف خلق ازضرير وشل ولنك واهل دلق
اوجوفارغ كشتى از اوراد خويش جا كشتكه بيرون شدى آن خوب كيش
بس دعا كردى وكفتى ازخدا حاجت ومقصود جمله شدروا
خوش روان وشادمانه سوى خان از دعاى او شدندى باروان
آز مودى توبسى آفات خويش يافتى صحت ازين شاهان كيش
جند آن لنكىء تورهوار شد جند جانت بى عم و آزار شد
{ واذ تخرج الموتى باذنى } اى تحيى الموتى وتخرجهم من قبورهم احياء قيل اخرج سام ابن نوح ورجلين وجارية كما سبق تفصيله فى سورة آل عمران.
قال الكلى كان عيسى عليه السلام يحيى الموتى بيا حى ويا قيوم وهو الاسم الاعظم عند العلماء المحققين { واذ كففت بنى اسرائيل عنك } اى منعت اليهود الذين ارادوا لك السوء عن التعرض لك { اذ جئتهم بالبينات } بالمعجزات الواضحة ظرف لكففت { فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين } اى ما هذا الذى جئت به الا سحر ظاهر ردا وانكارا فبقوا على مرض الكفر ولم يعالجوا بعلاج الايمان على يد الحكيم الالهى الحاذق ـ حكى ـ عن الشبلى انه اعتل فحمل الى البيمارستان وكتب على بن عيسى الوزير الى الخليفة فى ذلك فارسل الخليفة اليه مقدم الاطباء ليداويه فما انجحت مداواته قال الطبيب للشبلى والله لو علمت ان مداواتك فى قطعة لحم من جسدى ما عسر على ذلك قال الشبلى دوائى فيما دون ذلك قال الطبيب وما هو قال بقطعك الزنار فقال الطبيب اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله فاخبر الخليفة بذلك فبكى وقال نفذنا طبيبا الى مريض وما علمنا انا نفذنا مريضا الى طبيب.
قال اليافعى هذا هو الطبيب الحاذق وحكمته من الحكمة التى بها العلل تزول وفيه اقول
اذا ما طبيب القلب اصبح جسمه عليلا فمن ذا للطبيب طبيب
فقل هم اولوا علم لدنى وحكمة آلهية يشفى بذاك قلوب
وكل مرشد كامل فهو عيسى وقته.
فان قلت ان اولياء الله هم الاطباء حقيقة ومن شأن الطبيب ان يعالج ويبرىء دون ان يهلك ويمرض فما شأن ابراهيم الخواص اشار باصبعيه الى عينى رجل فى برية اراد ان يسلب منه ثيابه فسقطتا. قلت انما دعا ابراهيم على اللص بالعمى ودعا ابراهيم بن ادهم على الذى ضربه بالجنة لان الخواص شهد من اللص انه لا يتوب الا بعد العقوبة فرأى العقوبة اصلح له وابن ادهم لم يشهد توبة الظالم فى عقوبته فتفضل عليه بالدعاء فتوة منه وكرما فحصلت البركة والخير بدعائه للظالم فجاءه مستغفرا معتذرا فقال له ابراهيم الرأس الذى يحتاج الى الاعتذار تركته ببلخ وقد كان الانبياء يدعون مطلقا بحسب الاحوال والمصالح وكل ذلك باذن الله تعالى فهم فى دعائهم فانون عن انانيات وجودهم لا يصدر من لسانهم الا حق مطابق للواقع والحكمة والاولياء تلو لهم فى ذلك ولكن الناس لا يعلمون: وفى المثنوى
جون بباطن بنكرى دعوى كجاست اوو دعوى بيش آن سلطان فناست
مات زيد زيد اكر فاعل بود ليك فاعل نيست كوعاطل بود
اوزروى لفظ نحوى فاعلست ورنه او مفعول وموتش قاتلست