خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ
٥
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ اليوم } اراد به الزمان الحاضر وما يتصل به من الازمنة الماضية والآتية او يوم النزول { احل لكم الطيبات } وهى ما لم تستخبثه الطباع السليمة وهى طباع اهل المروءة والاخلاق الجميلة او ما لم يدل نص شارع ولا قياس مجتهد على حرمته { وطعام الذين اوتوا الكتاب } اى اليهود والنصارى والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها { حل لكم } اى حلال وعن ابن عباس انه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا بأس وهو قول عامة التابعين وبه اخذ ابو حنيفة واصحابه. وحكم الصابئين حكم اهل الكتاب عنده وقال صاحباه صنفان صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرأون كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من اهل الكتاب واما المجوس فقد سن بهم سنة اهل الكتاب فى اخذ الجزية منهم دون اكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لقوله عليه السلام "سنوا بهم سنة اهل الكتاب غير ناكحى نسائهم ولا آكلى ذبائحهم"
.ولو ذبح يهودى او نصرانى على اسم غير الله كالنصرانى يذبح باسم المسيح فذهب اكثر اهل العلم الى انه يحل فان الله قد احل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وقال الحسن اذا ذبح اليهودى او النصرانى فذكر اسم غير الله وانت تسمع فلا تأكله واذا غاب عنك فقد احل الله لك { وطعامكم حل لهم } فلا عليكم ان تطعموهم وتبيعوه منهم ولو حرم عليهم لم يجز ذلك { والمحصنات من المؤمنات } رفع على انه مبتدأ حذف خبره لدلالة ما تقدم عليه اى حل لكم ايضا والمراد بهن الحرائر والعفائف وتخصيصهن بالذكر للبعث على ما هو الاولى لا لنفى ما عداهن فان نكاح الاماء المسلمات صحيح بالاتفاق وكذا غير العفائف منهن واما الاماء الكتابيات فهن كالمسلمات عند ابى حنيفة خلافا للشافعى { والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم } اى هن ايضا حل لكم وان كن حربيات وقال ابن عباس رضى الله عنهما لا تحل الحربيات.
قال الحدادى واستدل بعض الفقهاء بظاهر الآية على انه لا يجوز للمسلم نكاح الامة الكتابية والصحيح انه يجوز بظاهر قوله تعالى
{ باذن أهلهن } [النساء: 25].
بدليل حل ذبائحهن وانما خص الله المحصنات باباحة نكاحهن مع جواز نكاح غيرهن لان الآية خرجت مخرج الامتنان والمنة فى نكاح الحرائر العفائف اعظم واتم يدل على ذلك انه لا خلاف فى جواز النكاح بين المسلم والامة المؤمنة وان كان فى الآية تخصيص المحصنات من المؤمنات والافضل لمن اراد النكاح ان لا يعدل عن نكاح الحرائر الكتابيات مع القدرة عليهن وذلك ان نكاح الامة يؤدى الى ارقاق الولد لان الولد يتبع امه فى الرق والحرية ولا ينبغى لاحد ان يختار رق ولده كما لا ينبغى ان يختار رق نفسه { اذا آتيتموهن اجورهن } اى مهورهن وتقييد الحل بايتائها لتأكيد وجوبها والحث على الاولى واذا ظرفية عاملها حل المحذوف { محصنين } حال من فاعل آتيتمونهن اى حال كونكم اعفاء بالنكاح وكذا قوله { غير مسافحين } اى غير مجاهرين بالزنى { ولا متخذى اخدان } اى ولا مسرين به والخدن الصديق يقع على الذكر والانثى.
قال الشعبى الزنى ضربان السفاح وهو الزنى على سبيل الاعلان واتخاذ الخدن وهو الزنى فى السر والله تعالى حرمهما فى هذه الآية واباح التمتع بالمرأة على جهة الاحصان { ومن يكفر بالايمان } اى ومن ينكر شرائع الاسلام التى من جملتها ما بين ههنا من الاحكام المتعلقة بالحل والحرمة ويمتنع عن قبولها { فقد حبط عمله } اى بطل عمله الصالح الذى عمله قبل ذلك { وهو فى الآخرة من الخاسرين } هو مبتدأ من الخاسرين خبره وفى متعلقة بما تعلق به الخبر من الكون المطلق.
قال الحدادى فقد بطل ثواب عمله وهو فى الآخرة من المغبونين غبن نفسه ومنزله وصار الى النار لا يغنى عن المرأة الكتابية اسلام زوجها ولا ينفعها ذلك ولا يضر المسلم كفر زوجته الكتابية: قال السعدى

برفتند وهركس درود آنجه كشت نماند بجزنام نيكو و زشت

واعلم ان الكفر اقبح القبائح كما ان الايمان احسن المحاسن وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمى فقالت قد افلح المؤمنون ثلاثا" وعن كعب الاحبار ان نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنه ساما من بين اولاده وقال اوصيك باثنتين وانهاك عن اثنتين. فاما الاوليان فاحداهما شهادة ان لا اله الا الله فانها تخرق السموات السبع ولا يحجبها شىء ولو وضعت السموات والارض وما فيهن فى كفة ووضعت هى فى الاخرى لرجحت. واما الثانية فان تكثر من قول سبحان الله والحمد لله فانها جامعة للثواب. واما الاخريان فالشرك بالله والاتكال على غير الله.
قال القاضى عياض انعقد الاجماع على ان الكفار لا تنفعهم اعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم يكون اشد من بعض بحسب جرائمهم واما حسناتهم فمقبولة بعد اسلامهم على ما ورد فى الحديث.
قال فى نصاب الاحتساب ما يكون كفرا بلا خلاف يوجب احباط العمل ويلزمه اعادة الحج ان كان قد حج ويكون وطؤه مع امرأته حراما والولد المتولد فى هذه الحالة يكون ولد الزنى وان كان اتى بكلمة الشهادة بعد ذلك اذا كان الاتيان على وجه العادة ولم يرجع عما قال لان الاتيان بكلمة الشهادة على وجه العادة لا يرفع الكفر وما كان فى كونه كفرا اختلاف فان قائله يؤمر بتجديد النكاح والتوبة والرجوع عن ذلك بطريق الاحتياط واما ما كان خطأ من الالفاظ ولا يوجب الكفر فقائله مؤمن على حاله ولا يؤمر بتجديد النكاح ويؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك انتهى كلام النصاب. والرجل والمرأة فى ذلك سواء حتى لو تكلمت المرأة بما يكون كفرا تبين من زوجها.
فعلى العبد الصالح ان يختار من النساء صالحة عفيفة متقية.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره لا تعطى الولاية لولد الزنى قال واشكر الله تعالى على ان جعلنى اول ولد ولدته امى فانه ابعد من ان يصدر الفاظ الكفر من احدى ابوى قال وارثه الاكبر الشيخ الشهير بالهدايى قدس سره قلت والفقير كذلك.
والاشارة فى الآية { احل لكم } يا ارباب الحقيقة فى اليوم الذى قدر كمالية الدين فيه لكم فى الازل جميع { الطيبات } التى تتعلق بسعادة الدارين بل احل لكم التخلق بالاخلاق الطيبات وهى اخلاق الله المنزهات عن الكميات والكيفيات المبرءات من النقائص والشبهات { وطعام الذين اوتوا الكتاب } وفى الحقيقة هم الانبياء عليهم السلام { حل لكم } اى غذيتم بلبان الولاية كما غذوا بلبان النبوة من حملتى الشريعة والحقيقة { وطعامكم حل لهم } يعنى منبع لبن النبوة والولاية واحد وان كان الثدى اثنين فشربتم لبان الطافنا من مشرب الولاية وشرب الانبياء لبان افضالنا من مشرب النبوة قد علم كل اناس مشربهم وللنبى عليه السلام شركة فى المشارب كلها وله اختصاص فى مجلس المقام المحمود من المحبوب بمشرب
"ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى"
.لا يشاركه فيه ملك مقرب ولا نبىء مرسل{ و } كذلك حل لكم { المحصنات من المؤمنات } وهى ابكار حقائق القرآن التى احصنت من افهام الازواج المؤمنات بها وهى ازواج العلماء وخواص هذه الامة { والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم } وهى ابكار حقائق الكتب المنزلة على الامة السالفة التى احصنت من الذين انزل عليهم الكتب وادرجت فى القرآن واخفيت لكم كما قال تعالى { { فلا تعلم نفس ما أخفى لهم } [السجدة: 17].
يعنى فى القرآن
{ { من قرة أعين } [السجدة: 17].
وهى ابكار حقائق جميع الكتب المنزلة فافهم جدا كلها لكم { اذا آتيتموهن اجورهن } اى مهور هذه الابكار وهى بذل الوجود { محصنين } يعنى متعففين فى بذل الوجود فيكون على وجه الحق وبتصرف المشايخ الواصلين { غير مسافحين } على وفق الطبع وخلاف الشرع وبتصرف الهوى { ولا متخذى اخدان } يعنى فى بذل الوجود لا يكون ملتفتا الى شىء من الكونين ولا الى احد فى الدارين سوى الله ليكون هو المشرب ومنه الشراب وهو الحريف والساقى { ومن يكفر بالايمان } بهذه المعاملات والكمالات اذ حرم من العيان من هذه السعادات { فقد حبط عمله } الذى عمله على العمياء والتقليد { وهو فى الآخرة من الخاسرين } الذين خسروا الدنيا والعقبى والمولى كذا فى التأويلات النجمية.