خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
٦٣
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لولا } حرف تحضيض { ينهاهم الربانيون والأحبار } المراد بهم العلماء الا ان الربانى الزاهد العارف الواصل والحبر العالم العامل المقبول { عن قولهم الاثم } وهو قولهم آمنا وليسوا بمؤمنين { واكلهم السحت } مع علمهم بقبحها ومشاهدتهم لبماشرتهم لها { لبئس ما كانوا يصنعون } هو ابلغ من قوله لبئس ما كانوا يعملون لان الصنع اقوى من العمل فان العمل انما يسمى صناعة اذا صار مستقرا راسخا متمكنا فجعل جرم من عمل الاثم والعدوان واكل السحت ذنبا غير راسخ وذنب التاركين للنهى عن المنكر ذنبا راسخا وفى الآية مما ينعى على العلماء من توانيهم فى النهى عن المنكرات ما لا يخفى: قال الشيخ السعدى

كرت نهى منكر برآيد زدست نشايد جوبى دست وبايان نشست
جو دست وزبانرا نماند مجال بهمت نمانيد مردى رجال

قال عمر بن عبد العزيز ان الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ولكن اذا اظهروا المعاصى فلم ينكروا استحق القوم جميعا للعقوبة ولولا حقيقة هذا المعنى فى التوبيخ على المشايخ والعلماء فى ترك النصيحة لما اشتغل المحققون بدعوة الخلق وتربيتهم لاستغراقهم فى مشاهدة الحق ومؤانستهم به.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره: السالك اذا وصل الى الحقيقة اما ان يرسل للارشاد او يبقى فى حضور الوصلة ولا يريد الفرقة كالشيخ ابى يزيد البسطامى فانه لا يختر الارشاد ولكن الارشاد طريقة الانبياء عليهم السلام فانه ما من نبى الا وهو قد بعث وارسل لارشاد الخلق ولم يبق فى عالم الحضور: قال فى المثنوى خطابا من قبل الله تعالى الى حضرة النبى عليه السلام

هين بمكذار اى شفا رنجوررا تو زخشم كور عصاى كوررا
نى توكفتى قائد اعمى براه صد ثواب واجر يابد ازاله
هركه اوجل كام كورى راكشد كشت آمر زيده ويابد رشد
بس بكش توزين جهان بى قرار جوق كورانرا قطار اندر قطار
كار هادى اين بود توهادىء ماتم آخر زمانرا شادىء
هين روان كن اى امام المتقين اين خيال انديشكانرا تايقين
خيز دردم توبصور سهمناك تاهزاران مرده بررويد زخاك

واهل الحقيقة والعلماء العاملون المتجردون عن الغرض سوى اعلاء كلمة الله تعالى محفوظون فى اقوالهم وافعالهم ـ وحكى ـ ان زاهدا من التابعين كسر ملاهى مروان بن الحكم الخليفة فاتى له به فامر بان يلقى بين يدى الاسد فالقى فلما دخل ذلك الموضع افتتح الصلاة فجاءت الاسد وجعلت تحرك ذنبها حتى اجتمع عليه ما كان في ذلك الموضع من الاسد فجعلت تلحسه بألسنتها وهو يصلى ولا يبالى فلما اصبح مروان قال ما فعل بزاهدنا قيل القى بين الاسد قال انظروا هل اكلته فجاؤوا فوجدوا الاسد قد استأنست به فتعجبوا من ذلك فاخرجوه وحملوه الى الخليفة فقال له اما كنت تخاف منها قال لا كنت مشغولا متفكرا طول الليل لم اتفرغ الى خوفهم فقال له فيماذا تتفكر قال فى هذه الاسد حيث جاءتنى تلحسنى بألسنتها فكنت اتفكر ألعابها طاهر ام نجس فتفكرى فى هذا منعنى عن الخوف منها فتعجب منه فخلى سبيله كذا فى نصاب الاحتساب.