خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩٦
-المائدة

روح البيان في تفسير القرآن

{ احل لكم } الخطاب للمحرمين { صيد البحر } اى ما يصاد فى المياه كلها بحراً كان او نهراً او غديرا وهو ما لا يعيش الا فى الماء مأكولا كان او غير مأكول فما يعيش فى البر والبحر كالبط والضفدع والسرطان والسلحفاة وجميع طيور الماء لا يسمى صيد البحر بل كل ذلك صيد البر ويجب الجزاء على قاتله.
قال الامام جميع ما يصطاد فى البحر ثلاثة اجناس. السمك وجميع انواعه حلال. والضفادع وجميع انواعها حرام واختلفوا فيما سوى هذين الجنسين.
فقال ابو حنيفة انه حرام.
وقال الاكثرون انه حلال لعموم هذه الآية.
وقال محيى السنة جملة حيوانات الماء على قسمين سمك وغيره. اما السمك فميتته حلال مع اختلاف انواعها قال النبى عليه الصلاة والسلام
"احلت لنا ميتتان السمك والجراد"
.ولا فرق بين ان يموت بسبب او بغير سبب وعند ابى حنيفة يحل الا ان يموت بسبب من وقوع على حجر او انحسار الماء عنه ونحو ذلك. واما غير السمك فقسمان قسم يعيش فى البر كالضفدع والسرطان ولا يحل اكله وقسم يعيش فى الماء ولا يعيش فى البر الا عيش المذبوح فاختلف فيه فذهب قوم الى ان لا يحل شىء منها الا السمك وهو قول ابى حنيفة وذهب قوم الى ان ميتة الكل حلال لان كلها سمك وان اختلف صورها كالجريث يقال له حية الماء لكونه على شكل الحية واكله مباح بالاتفاق { وطعامه } اى طعام البحر وهو ما قذفه البحر ولفظه او نضب عنه الماء اى غار وبقى هو فى ارض يابسة فيؤخذ من غير معالجة فى اخذه.
وقال المولى ابو السعود { وطعامه } اى ما يطعم من صيده وهو تخصيص بعد التعميم والمعنى احل لكم التعرض لجميع ما يصاد فى المياه والانتفاع به انتهى { متاعا لكم } نصب على انه مفعول له.
قال المولى ابو السعود مختص بالطعام كما ان نافلة فى قوله تعالى
{ { ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة } [الأنبياء: 72].
حال مختصة بيعقوب اى احل لكم طعامه تمتعا للمقيمين يأكلونه طريا { وللسيارة } منكم يتزودونه قديدا { وحرم عليكم صيد البر } وهو ما يفرخ فيه وان كان يعيش فى الماء فى بعض الاوقات كطير الماء { ما دمتم حرما } ما مصدرية ظرفية اى مدة دوامكم محرمين لا خلاف فى الاصطياد انه حرام على المحرم فى البر فاما عين الصيد فظاهر الآية يوجب حرمة ما صاد الحلال على المحرم وان لم يكن له مدخل فيه لكن مذهب ابى حنيفة انه يحل له ما صاده الحلال وان صاده لاجله اذا لم يشر اليه ولم يدل عليه وكذا ما ذبحه قبل احرامه لان الخطاب للمحرمين وكأنه قيل حرم عليكم ما صدتم فى البر فيخرج منه مصيد غيرهم { واتقوا الله } فيما نهاكم عنه من جميع المعاصى التى من جملتها اخذ الصيد فى الاحرام { الذى اليه تحشرون } لا الى غيره حتى يتوهم الخلاص من اخذه تعالى بالالتجاء اليه كما قال تعالى
{ { إلى ربك يومئذ المساق } [القيامة: 30].
اى المنتهى والمرجع بسوق الملائكة الى حيث امرهم الله اما الى الجنة واما الى السعير وفى الحديث
"من اشتاق الى الجنة سارع الى الخيرات ومن اشفق من عذاب جهنم كف نفسه عن المحرمات ومن زهد فى الدنيا هانت عليه المصيبات" ومن اراد سهولة الموت فليبادر الى الخيرات فمن لم يترك شهوة لم يرض عنه ربه بطاعته ومن لم يتق الله فى سره لم ينتفع بما ابداه من علامة التقوى: وفى المثنوى

كافرم من كرزيان كردست كس درره ايمان وطاعت يكنفس
كار تقوى دارد ودين وصلاح كه بدان باشد بدوعالم فلاح

والاشارة فى الآية { أحل لكم } ايها المستغرقون فى بحر الحقائق { صيد البحر } ما تصيدون من بحر المعرفة بالمشاهدات والكشوف { وطعامه متاعا لكم وللسيارة } يعنى تشبعون بما يرد عليكم من وارد الحق وتجلى الصفات كما قال عليه السلام "ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى"
.وتطعمون منه السائرين الى الله من اهل الارادة كقوله تعالى { { فكلوا منها واطعموا البائس الفقير } [الحج: 28].
وهذا حال المشايخ واهل التربية من العلماء الراسخين { وحرم عليكم } ايها الطلاب { صيد البر } وهو ما سنح فى اثناء السير الى الله من مطالب الدنيا والآخرة كما قال عليه السلام
"الدنيا حرام على اهل الآخرة والآخرة حرام على اهل الدنيا وكلتاهما حرامان على اهل الله" { ما دمتم حرما } اى ما دمتم محرمين الى كعبة الوصول متوجهين الى حضرة الوصال فان حكم المتوجه ينافى حكم الواصل الكامل لان من وصل صار محوا والمتوجه صاح وبون بين الصاحى والماحى فان افعال الصاحى به ومنه واحوال الماحى ليست به ولا منه والله غالب على امره فبى يسمع وبى ينطق وبى يبطش ولهذا قال تعالى { { وإذا حللتم فاصطادوا } [المائدة: 2].
اى اذا فرغتم من مناسك الوصول وسلكتم مسالك الاصول سقط عنكم كلف المحرمين ومؤونات المسافرين وثبت لكم لزوم العاكفين واحكام الطائفين كما قال
{ { واتقوا الله الذى إليه تحشرون } [المائدة: 96].
يعنى اتقوا بالله الذى اليه تجمعون وتصلون عما سواه لكيلا تحوروا بعدما تكوروا نعوذ بالله من الحور بعد الكور. كذا فى التأويلات النجمية المسماة ببحر الحقائق اللهم افض علينا من بركات اوليائك وادر علينا من كاسات احبائك واودائك.