خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١١٥
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ وتمت كلمة ربك } عبر عن الكتاب اى القرآن بالكلمة لانها الاصل فى الاتصاف بالصدق والعدل وبها يظهر الآثار من الحكم { صدقا وعدلا } مصدران نصبا على الحال اى صادقة وعادلة ومعنى تمامها عبارة عن بلوغها الغاية فى كونها كافية فى بيان ما يحتاج اليه المكلفون الى يوم القيامة علما وعملا وفى كونها صدقا وعدلا والمعنى انها بلغت الغاية القاصية صدقا فى الاخبار والمواعيد كالخبر عن وجود ذات الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية وكالخبر عن احكام الله تعالى فى الوعد والوعيد والثواب والعقاب وكالخبر عن احوال المتقدمين وعن الغيوب المستقبلة وعدلا فى الاقضية والاحكام المتعلقة بالمكلفين من الجن والانس كالصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر التكاليف الشرعية سواء كانت امرا او نهيا { لا مبدل لكلماته } لا ا حد يبدل شيأ من ذلك بما هو اصدق واعدل ولا بما هو مثله فكيف يتصور ابتغاء حكم غيره تعالى { وهو السميع } لكل ما يتعلق به السمع { العليم } بكل ما يمكن ان يعلم فيدخل فى ذلك اقوال المتحاكمين واحوالهم الظاهرة والباطنة دخولا اوليا. ومحصول الآية ان القرآن حكم الله تعالى وحجته الغالبة بين الناس فلا عدول عنه الى غيره اذ لا يعدل عنه الا المنكر سواء كان انكاره عناديا كالعالم بحقيته او تكذيبيا كالجاهل بها واما المقر فهو له جذبة الهية ينجذب بالعمل بما فيه الى درجات العلم والعرفان وكمال الايقان اذ هو كلمة حق وصدق والصدق يهدى الى الجنة والقربة والوصلة ولا ترتفع التكليفات عن العبد وان وصل الى تجلى الذات ما دام فى عالم الدنيا لا كما زعمه بعض الزاعمين واما فى عالم الآخرة فترتفع التكليفات فعبادة ذلك العالم التوحيد ليس الا ولابد من رعاية الشريعة فى جميع المراتب فان الكمال فيه والا فهو ناقص ولذلك ترى المجاذيب لا يخلون عن نقصان ألا يرى ان الانبياء عليهم السلام لم يسمع عن واحد منهم عروض السفه والجنون فكامل العقل يحس صرير الباب وصوت الذباب فى حال استغراقه ـ حكى ـ ان الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر قال يوما لمريديه هل صدر منى شئ يخالف الشريعة قالوا لا فحمد الله تعالى وقال ما كنت ههنا منذ ثلاثين سنة والانسان اشرف المخلوقات واشرف الانسان نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ولذلك صار مظهرا للفرقان الكريم من المبتدأ القديم وهو الحكم الذى نصبه الله تعالى لاحقاق الحق وابطال الباطل

ألا اى احمد مرسل شود هرمشكل ازتوحل كنم وصف ترا مجمل تويى سلطان هرمولى
شريعت ازتو روشن شد طريقت هم مبرهن شد حقيقت خود معين شد زهى سلطان بى همتا

واعلم ان هذه الآية متعلقة بمرتبة النفس واصلاحها فان ابتغاء حكم غير الله تعالى من هوى النفس فاصلاحها بالانقياد والتسليم وكل من له حظ من علم القرآن ظاهرا او باطنا فهو وارث النبى عليه السلام بقدر حاله والحاكم هو عالم امر الله لا الجاهل. قال على كرم الله وجهه من افتى الناس بغير علم لعنه السماء والارض. وسألت بنت علىّ البلخى اباها عن القيئ اذا خرج الى الحلق فقال يجب اعادة الوضوء فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يا على حتى يكون ملئ الفم فقال علمت ان الفتوى تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فآليت على نفسى ان لا افتى ابدا. وسئل الشعبى عن مسألة فقال لا اعلم فقيل ألا تستحى وانت فقيه العراقين قال ولم لا استحيى مما لا تستحيى منه الملائكة حيث قالت { { لا علم لنا الا ما علمتنا } [البقرة: 32].
فعلى العامة ان يرجعوا فى الامور الظاهرة الى اعلم البلدة او العصر بقدر الامكان وعلى الخاصة ان يستفتوا فى الاحوال الباطنة من الاعرف وان كان اميا لا يعرف اصطلاحات العلماء اذ له حكمة معنوية تغنى عن الاصطلاحات وهو الذى يليق بان يسمى حكيما وقد اتفق اهل الله تعالى على ان العبد اذا وصل الى الله فالله تعالى يعلمه ويلهمه فيميز بين الحق والباطل ولا يكون ما يتكلمه خارجا عن الشريعة واليه يشير قول من قال ما اتخذ الله من ولى جاهل ولو اتخذه لعلمه وكما ان الاصحاب ما خرجوا عن حكم النبى عليه السلام كما قال تعالى
{ { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } [النساء: 65] وقال { { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم } [الأحزاب: 36].
كذلك اهل الارادة ما خرجوا عن امر المرشد الكامل اذ الحكم وان كان لله تعالى فى الحقيقة كما نطقت به الآية الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خليفة الله تعالى وكذا من ورثه قولا وحالا.