خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٥
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ فقطع دابر القوم الذين ظلموا } اى آخرهم بحيث لم يبق منهم احد فالدابر يقال للتابع للشئ من خلفه كالولد للوالد يقال دبر فلان القوم يدبروا دبرا ودبورا اذا كان آخرهم. قال البغوى معناه انهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ووضع الظاهر موضع الضمير للاشعار بعلة الحكم فان هلاكهم بسبب ظلمهم الذى هو وضع الكفر موضع الشكر واقامة المعاصى مقام الطاعات { والحمد لله رب العالمين } على اهلاكهم فان هلاك الكفار والعصاة من حيث انه تخليص لاهل العرض من شؤم عقائدهم الفاسدة واعمالهم الخبيثة نعمة جليلة يحق ان يحمد عليها لا سيما مع ما فيه من اعلاء كلمة الحق التى نطقت بها رسلهم عليهم السلام وفى الآيات امور. منها ان الله تعالى هو المرجع فى كل امر حال الاختيار والاضطرار والعاقل لا يلتجئ الى غيره تعالى لان ما سوى الله آلات واسباب والمؤثر فى الحقيقة هو الله تعالى فشأن المؤمن هو النظر الى بابه والاستمداد من جنابه حال السراء والضراء بخلاف الكافر فانه يفتح عينيه عند نزول الشدة والمقبول هو الرجوع اختيارا فان العبد المطيع لا يترك باب سيده على كل حال، ومنها ان الله تعالى يقلب الانسان تارة من البأساء والضراء الى الراحة والرخاء وانواع الآلاء والنعماء واخرى يعكس الامر كما يفعله الاب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه اخرى طلبا لصلاحه والزاما للحجة ازاحة للعلة ففى هذه المعاملة تربية له وفائدة عظيمة فى دينه ودنياه ان تفطن: قال الصائب

نهاد سخت توسوهان بخرد نمى كيد وكرنه بست وبلند زمان سوهانست

ومنها ان الهلاك بقدر الاستدراج ونعوذ بالله تعالى من المكروه وفى الحديث "اذا رأيت الله تعالى يعطى عبدا فى الدنيا على معصية ما يحب فان ذلك منه استدراج ثم قرأ صلى الله عليه وسلم { فلما نسوا ما ذكروا به }" [الأنعام: 44] الآية.
وفى التأويلات النجمية
{ { فتحنا عليهم ابواب كل شئ } [الأنعام: 44] اى من البلاء فى صورة النعماء لارباب الظاهر بالنعمة الباطنة من فتوحات الغيب واراءة الآيات وظواهر الكرامات ورؤية الانوار وكشف الاسرار والاشراف على الخواطر وصفاء الاوقات ومشاهدة الروحانية واشباهها مما يربى به اطفال الطريقة فان كثيرا من متوسطى هذه الطائفة تعتريهم الآفات فى اثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثيرة الرياضات فيوسوسهم الشيطان وتسول لهم انفسهم انهم قد بلغوا فى السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته فيخرجون من عنده ويشرعون فى الطلب على وفق انفسهم فيقعون فى ورطة الخذلان وسخرة الشيطان فيريهم الاشياء الخارقة للعادة وهم يحسبون انها من نتائج العبادة وكان بعضهم يسير فى البادية وقد اصابه العطش فانتهى الى بئر فارتفع الماء الى رأس البئر فرفع رأسه الى السماء وقال اعلم انك قادر ولكن لا اطيق هذا فلو قيضت لى بعض الاعراب يصفعنى صفعا ويسقينى شربة ماء كان خيرا لى ثم انى اعلم ان ذلك الرفق ليس من جهته. وقال الشيخ ابو عبدالله القرشى قدس سره من لم يكن كارها لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصى فهى حجاب فى حقه وسترها عنه رحمة. ومنها ان العجب مذموم مهلك وفى الحديث "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوًى متبع واعجاب المرء بنفسه" .

مرد معجب زاهل دين نبود هيج خود بين خداى بين نبود
بيخبر ازجهان ومست يكيست خويشتن بين وبت برست يكيست

وعلاجه رؤية التوفيق من الله تعالى. ومنها ان النعمة لا بدل لها من الحمد والشكر وفى الخبر الصحيح "اول من يدعى الى الجنة الحامدون لله على كل حال" ولما حمد نوح عليه السلام بقوله { { الحمد لله الذى نجانا من القوم الظالمين } [المؤمنون: 28].
وجد السلامة حيث قال تعالى
{ { يا نوح اهبط بسلام منا } [هود: 48].
فلا بد من الحمد على السلامة سواء كانت من جهة الدين او من جهة الدنيا اذ كل منهما نعمة ودخل رجل على سهل بن عبدالله فقال ان اللص دخل دارى واخذ متاعى فقال اشكر الله لو دخل اللص قلبك وهو الشيطان وافسد التوحيد ماذا كنت تصنع. يقول الفقير جامع هذه المجالس الشريفة سئلت فى المنام عن معنى الحمد فقلت الحمد اظهار الكمال بتهيئة اسبابه فقال السائل وهو واحد من سادات المشايخ ما تهيئة الاسباب فقلت ان ترفع يديك الى السماء وتنظر الى جانب الملكوت وتظهر الخضوع والخشوع وان تثنى على الله تعالى ثناء حقا كما ينبغى ثم استيقظت فجاء التفسير بحمد الله تعالى مشيرا الى مراتب الشكر: كما قال بعضهم

الشكر قيد للنعم. مستلزم دفع النقم وهو على ثلاثة قلب يد فاعلم وفم

والحمد لله تعالى ولى الانعام على الاستمرار والدوام.