خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٩٤
-الأنعام

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد جئتمونا } للحساب والجزاء وهو بمعنى المستقبل اى تجيئوننا وانما ابرز فى صورة الماضى لتحققه كقوله تعالى { أتى أمر الله } [النحل: 1].
والخطاب لكفار قريش لانها نزلت حين قالوا افتخارا واستخفافاً للفقراء نحن اكثر اموالا واولادا فى الدنيا وما نحن بمعذبين فى الآخرة { فرادى } جمع فرد اى منفردين عن الاموال والاولاد وسائر ما آثرتموه من الدنيا { كما خلقناكم اول مرة } بدل من فرادى اى على الهيئة التى ولدتم عليها فى الانفراد او حال من ضمير فرادى اى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غر لا بهما اى ليس بهم شئ مما كان فى الدنيا نحو البرص والعرج كذا فى القاموس وفى الخبر
"انهم يحشرون يوم القيامة عراة حفاة غرلا قالت عائشة رضى الله عنها واسوءتاه الرجل والمرأة كذلك فقال عليه السلام لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال الى النساء ولا النساء الى الرجال شغل بعضهم عن بعض"
.{ وتركتم ما خولناكم } ما تفضلنا به عليكم فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة. والتخويل تمليك الخول اى الخدم والاتباع واحدهم خائل او الاعطاء على غير جزاء { وراء ظهوركم } ما قدمتم منه شيأ ولم تحملوا نقيرا بخلاف المؤمنين فانهم صرفوا همتهم الى العقائد الصحيحة والاعمال الصالحة فبقيت معهم فى قبورهم وحضرت معهم فى محفل القيامة فهم فى الحقيقة ما حضروا فرادى

جون ازنيجا وارهى انجاروى درشكر خانه ابد شاكر شوى

{ وما نرى معكم شفعاءكم } الاصنام { الذين زعمتم انهم فيكم شركاء } اى شركاء لله فى ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم { لقد تقطع بينكم } اى وقع التقطع بينكم كما يقال جمع بين الشيئين اى اوقع الجمع بينهما. قال الكاشفى [منقطع كشت آنجه ميان شمابود ازو صلت ومودت] { وضل عنكم } اى بطل وضاع { ما كنتم تزعمون } انها شفعاؤكم فلم يقدروا على دفع شئ من العذاب عنكم اوانها شركاؤكم لله فى ربوبيتكم وهو الانسب لسياق النظم ألا ترى الى قوله تعالى { الذين زعمتم انهم فيكم شركاء }. اعلم ان للانسان اعداء اربعة هى المال والاهل والاولاد والاصدقاء وهى لا تدخل فى القبر مع الميت فيبقى فريدا وحيدا منهم. واصدقاء اربعة هى كلمة الشهادة والصلاة والصوم وذكر الله وهى تدخل فى القبر وتشفع عند الله تعالى فتصحب الميت فلا يبقى وحيدا. فعلى العاقل ان يتفكر فى تجره وتفرده فيسعى فى تحصيل لباس له هو التقوى ومصاحب هو العمل الصالح وفى الحديث "ان عمل الانسان يدفن معه فى قبره فان كان العمل كريماً اكرم صاحبه وان كان لئيماً اسلمه وان كان عملا صالحا آنس صاحبه وبشره ووسع عليه قبره ونوره وحماه من الشدائد والاهوال والعذاب والوبال وان كان عملا سيئا فزع صاحبه وروّعه واظلم عليه قبره وضيقه وعذبه وخلى بينه وبين الشدائد والاهوال والعذاب والوبال"
.قال اليافعى وقد سمعت عن بعض الصالحين فى بعض بلاد اليمن انه لما دفن بعض الموتى وانصرف الناس سمع فى القبر صوتاً ودقاً عنيفاً ثم خرج من القبر كلب اسود فقال له الشيخ الصالح ويحك ايش انت فقال انا عمل الميت فقال فهذا الضرب فيك ام فيه قال بل فى وجدت عنده سورة يس واخواتها فحالت بينى وبينه وضربت وطردت فانظرانه لما قوى عمله الصالح غلب على عمله الطالح وطرده عنه بكرم الله تعالى ولو كان عمله القبيح اقوى لغلب عليه وافزعه وعذب: قال السعدى

غم وشادمانى نماند وليك جزاى عمل ما ندونام نيك
مكن تكيه برملك وجاه وحشم كه بيش ازتو بودتس وبعد ازتوهم

قال القشيرى { ولقد جئتمونا فرادى } اى دخلتم الدنيا بخرقة وخرجتم منها بخرقة ألا وتلك الخرقة ايضا لبسه وما دخلت الا بوصف التجرد وما خرجت الا بحكم التجرد ثم الاثقال والاوزار والاعمال والاوصال لا يأتى عليها حصر ولا مقدار فلا مالكم اغنى ولا حالكم يدفع عنكم ولا شفيع يخاطبنا فيكم ولقد تفرق وصلكم وتبدد شملكم وتلاشى ظنكم وخاب سعيكم انتهى كلام القشيرى.
والاشارة ان المجيء الى الله يكون بالتجريد ثم بالتفريد ثم بالتوحيد. فالتجريد هو التجرد عن الدنيا وما يتعلق بها. والتفريد هو التفرد عن الدنيا والآخرة رجوعاً الى الله خالياً عن التعلق بهما كما كان فى بدء الخلقة روحاً مجرداً عن تعلقات الكونين كقوله { لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة } يعنى اول خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب فانه خلقة ثانية كما قال
{ { ثم انشأناه خلقا آخر } [المؤمنون: 14].
وقال
{ { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } [الأعراف: 11].
فللعبد فى السير الى لاله كسب وسعى بالتجريد والتفريد عن الدنيا والآخرة كما قال { وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم } يعنى من تعلقات الكونين { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء } يعنى الاعمال والاحوال التى ظننتم انها توصلكم الى الله تعالى { لقد تقطع بينكم } وبينها عند انتهاء سيركم { وضل عنكم ما كنتم تزعمون } انها توصلكم الى الله فاذا وصل العبد الى سرادقات العزة انتهى سيره كما انتهى سير جبرائيل ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وهو منتهى سير السائرين من الملك والانس والتوحيد هو التوحد لقبول فيض الوحدانية عن التجلى بصفات الواحدية لتوصل العبد بجذبة ارجعى الى ربك الى مقام الوحدة ولو لم تدركه العناية الأزلية بجذبات الربوبية لانقطع عن السير فى الله بالله وبقى فى السدرة وهو يقول وما منا الا له مقام معلوم فافهم كذا فى التأويلات النجمية.