خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧١
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وإذ نتقنا الجبل فوقهم } النتق قلع الشيء من موضع الجبل وهو الطور الذى سمع موسى كلام الله واعطى الالواح وهو عليه او جبل من جبال فلسطين او الجبل الذى كان عند بيت المقدس وفوقهم منصوب بنتقنا باعتبار تضمنه لمعنى رفعنا كأنه قيل رفعنا الجبل فوق بنى اسرائيل بنتقه وقلعه من مكانه فالنتق من مقدمات الرفع وسبب لحصوله { كأنه ظلة } اى سقيفة وهى كل ما اظلك بالفارسية [سايبان] { وظنوا } اى تيقنوا { انه واقع بهم } اى ساقط عليهم لان الجبل لا يثبت فى الجو ولانهم كانوا يوعدون به على تقدير عدم قبولهم احكام التوراة - روى - ان موسى عليه السلام لما اتى بنى اسرائيل بالتوراة وقرأها عليهم وسمعوا ما فيها من التكاليف الشاقة ابوا ان يقبلوها ويتدينوا بما فيها فامر الله الجبل فانقلع من اصله حتى قام على رؤوسهم بحيث حاذى معسكرهم جميعا ولم يبق منهم احد الا والجبل فوقه وكان معسكرهم فرسخا فى فرسخ وقيل لهم ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم فلما نظروا الى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على جانبه الايسر وهو ينظر بعينه اليمنى الى الجبل خوفا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد الاعلى جانبه الايسر ويقولون هى السجدة التى رفعت عنا العقوبة فقبلوها جبرا قيل كل من اتى بشيء جبرا ينكص على عقبيه حين يجد فرصة كذلك اهل التوراة لما قبلوها جبرا ما لبثوا حتى شرعوا فى تحريفها { خذوا } على اضمار القول اى قلنا خذوا { ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } بجد وعزم على تحمل مشاقه وهو حال من الواو { واذكروا ما فيه } بالعمل ولا تتركوه كالمنسى { لعلكم تتقون } بذلك قبائح الاعمال ورذائل الاخلاق.
وفى الآية اشارة الى ان الانسان لو وكل الى نفسه وطبيعته لا يقبل شيا من الامور الدينية طبعا ولا يحمل اثقاله قطعا الا ان يعان على القبول والحمل بامر ظاهر او باطن فيضطر الى القبول والحمل فالله تعالى اعان ارباب العناية حتى حملوا اثقال المجاهدات والرياضات واخذوا ما آتاهم الله بقوة منه لا بقزتهم وارادتهم: وفى المثنوى

جشمها وكوشهارا بسته اند جزمر آنهارا كه از خود رسته اند
جز عنايت كه كشايد جشم را حر محبت كه نشايد خشم را
جهد بى توفيق خود كس را مباد درجهان والله اعلم بالرشاد

قال حضرة الشيخ افتاده افندى قدس سره مخاطبا لحضرة الهدايى ان كثيرا قد اجتهدوا ثلاثين سنة فلم يتيسر ما حصل لك فقال الهدايى ان بابنا الذى نخدم فيه اعلى مما خدموا فينبغى ان تكون لنا العناية بهذا القدر فتبسم حضرة الشيخ - يحكى - ان ابا يزيد البسطامى لم يأكل البطيخ الاخضر زمانا لعدم وقوفه على ان النبى عليه السلام بأى وجه قطعه والشمس التبريزى قال ان البسطامى كان فى الحجاب بسبب قصة البطيخ.
قال افتاده افندى كأنه اراد ان قوة زهد البسطامى جعلته محجوبا ولكن التحقيق ان كلا منهما على الكمال غايته ان ابا يزيد البسطامى وصل من طريق الرياضة والشمس التبريزى وصل من طريق المعرفة والطرق الى الله كثيرة ولكن طريق الرياضة احكم واثبت فصاحب الزهد الغالب وان لم ينفتح له الطريق زمانا ولكنه اذا انفتح يكون دفعة وبذلك لم يقدر الحلاج على ضبطه لكماله فى الشريعة والطريقة فظهر حقيقة الحال على الاسلوب المذكور فعناية الله تعالى تهدى اولا الى القبول ثم الى الزهد والرياضة ثم الى العشق والحالة ثم الى عالم الحقيقة ولطرق الى الله تعالى بعدد انفاس الخلائق فكل احد يصل الى الله تعالى من طريق وهى غير متعينة وليس هى كما يزعمها الناس اذ ليست على الاسلوب الظاهر قال الله تعالى
{ { وأَتوا البيوت من أبوابها } [البقرة: 189].
فالمراد بها الطريق المناسب لكل احد وطريق الوصول هو التقوى والذكر.
واعلم ان الكتب الالهية انما جاءت رحمة من عند الله تعالى وعناية وكذا الانبياء عليهم السلام فمن اتبعهم وقبل ما جاءوا به فقد نجا من العقبات وخرج من محبس هذا العالم وطار الى الملكوت الاعلى وللهمة تأثير عظيم -ذكر- ان فى الهند قوما اذا اهتموا بشيء اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم الى ذلك الشيء فيقع على وفق اهتمامهم.
ومن هذا القبيل ما ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند وكانت فيها مدينة كلما قصدها مرض فسأل عن ذلك فقيل له ان عندهم جمعا من الهند اذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق ما اهتموا فاشار اليه بعض اصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة لتشوش همتهم ففعل ذلك فزال المرض واستخلصوا المدينة فأنت ايها السالك بضرب طبول الذكر وجهره وتشوش همّ النفس وخواطرها الفاسدة وتخلص مدينة القلب من يدها بعناية الله تعالى
"وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سلم من صلاته قال بصوته الاعلى لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" .
قال الشيخ ابو المنجيب السهروردى المراد بقوله تعالى { { إن تبدوا الصدقات فَنِعِمَّا هى } [البقرة: 271] الجهر بالذكر.
وقال عمر النسفى والامام الواحدى فى تفسيريهما الذكر من جملة الفرائض واعلان الفرائض اولى واحب دفعا للتهمة والجهر يوقظ قلب الذاكر ويجمع همه الى الفكر ويصرف سمعه اليه ويطرد النوم ويزيد فى النشاط: وفى المثنوى

يادهان خويشتن را باك كن روح خودرا جابك وجالاك كن
ذكر حق باكست جون باكى رسيد رخت بربندد برون آيد بليد
مى كريزد ضدها از ضدها شب كريزد جون برافروزدضيا
جون در آيد نام باك اندر دهان نى بليدى ماندو نى اندهان

قوله تعالى { واذكروا ما فيه } يتناول الذكر اللفظى والحفظ الظاهرى وان كان العمدة هى العمل كما قال سعدى قدس سره [مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامئ متعبد بياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته] ايقظنا الله واياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب امورنا باحسن الخاتمة والحالة آمين.