خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
١٨٨
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا } اى جلب نفع ولا دفع ضر فمن لا يعلم ان نفعه فى أى الاشياء ومضرته فى أيها كيف يعلم وقت قيام الساعة واللام متعلق باملك.
قال سعدى جلبى المفتى والظاهر انه متعلق بنفعا ولا ضرا { الا ما شاء الله } ان املكه من ذلك بان يلهمنيه فيمكننى منه ويقدرنى عليه فالاستثناء متصل او لكن ما شاء الله من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا ابلغ فى اظهار العجز عن علمها { وان كنت عالم الغيب } اى جنس الغيب { لاستكثرت من الخير } اى لجعلت المال والمنافع كثيرا على ان يكون بناء استفعل للتعدية كما فى نحو استذله { وما مسنى السوء } من كيد العدو والفقر والضر وغيرها { ان انا الا نذير وبشير } اى ما انا الا عبد مرسل للانذار والبشارة شأنى ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التى لا علاقة بينها وبين الاحكام والشرائع وقد كشفت عن امر الساعة ما يتعلق به الانذار من مجيئها لا محالة واقترابها واما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الانذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من ان ابهامه ادعى الى الانزجار عن المعاصى { لقوم يؤمنون } اما متعلق بهما جميعا لانهم ينتفعون بالانذار كما ينتفعون بالبشارة واما البشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف او نذير للكافرين اى الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون اى فى اى وقت كان ففيه ترغيب للكفرة فى احداث الايمان وتحذير عن الاصرار على الكفر والطغيان.
قال الحدادى فى تفسيره فى الآية دلالة على بطلان قول من يدعى العلم بمدة الدنيا ويستدل بما روى ان الدنيا سبعة آلاف سنة لانه لو كان كذلك كان وقت قيام الساعة معلوما واما قوله صلى الله عليه وسلم
"بعثت انا والساعة كهاتين واشار الى السبابة والوسطى" فمعناه تقريب الوقت لا تحديده كما قال تعالى { { فقد جاء اشراطها } [محمد: 18].
اى مبعث النبى عليه السلام من اشراطها انتهى.
يقول الفقير رواية عمر الدنيا وردت من طرق شتى صحاح لكنها لا تدل على التحديد حقيقة فلا يلزم ان يكون وقت قيام الساعة معلوما لاحد ايا من كان من ملك او بشر.
وقد ذهب بعض المشايخ الى ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يعرف وقت الساعة باعلام الله تعالى وهو لا ينافى الحصر فى الآية كما لا يخفى.
وفى صحيح مسلم عن حذيفة قال اخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن الى ان تقوم الساعة وفى الحديث
"ان لله ديكا جناحاه موشيان بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وقوائمه فى الارض السفلى ورأسه مثنى تحت العرش فاذا كان السحر الاعلى خفق بجناحيه ثم قال سبوح قدوس ربنا الله لا اله غيره فعند ذلك تضرب الديكة اجنحتها وتصيح فاذا كان يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحك وغض صوتك فيعلم اهل السموات والارض ان الساعة قد اقتربت" .
ومن اشراط الساعة كثرة السبى والتسرى وذلك دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين الدال على التراجع والانحطاط اذا بلغ الامر كماله. ومنها كون الغنم دولا يعنى اذا كان الاغنياء واصحاب المناصب يتداولون باموال الغنيمة ويمنعون عنها مستحقيها وكون الزكاة مغرما يعنى يشق عليهم اداء الزكاة ويعدونها غرامة وكون الامانة مغنما يعنى اذا اتخذ الناس الامانات الموضوعة عندهم مغانم يغتنمونها ومن الامانة الفتوى والقضاء والامارة والوزارة وغيرها فاذا آتوها الى غير اهاليها كما ترى فى زماننا فانتظر الساعة.
وفى رواية عن ابى هريرة
"لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا ولا تقوم الساعة الا على شرار الخلق" .
فان قيل قد ورد فى الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما "لا تزال طائفة من امتى ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة
"
. قيل معناه الى قريب قيام الساعة لان قريب الشيء فى حكمه.
واعلم ان القيامة ثلاث حشر الاجساد والسوق الى المحشر للجزا وهى القيامة الكبرى وموت جميع الخلائق وهى والوسطى ولا يعلم وقته يقينا الا الله تعالى وانما يعلم بالعلامات المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا بعضا منها وموت كل احد وهى الصغرى وفى الحديث
"من مات فقد قامت قيامته"
. "- وروى - ان النبى صلى الله عليه وسلم ذكر يوما احوال جهنم فقال واحد من الاصحاب رضى الله عنه ادع لى يا رسول الله ان ادخل فيها فتعجبوا من قوله فقال عليه الصلاة السلام انه يريد ان يكون صاحب القيامة الكبرى"
. قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره نحن لا نعرف حقيقة مراده عليه السلام الا انا نوجهه بان يريد ان يشاهد القيامة الكبرى بان يصل الى مرتبة يتجلى فيها معنى قوله تعالى { { كل شيء هالك الا وجهه } [القصص: 88].
فان السالك اذا جاوز عن مرتبة الطبيعة والنفس والروح والسر بغيب عنه ما سوى الله تعالى فلا يرى غير الله تعالى فاضمحلال ما سواه وفناؤه هو القيامة الكبرى وهذه مرتبة عظمى لا يصل اليها الا اهل العناية: قال الحافظ

عنقا شكاركس نشوددام بازجين كانجا هميشه باد بدستست دام را

فعلى العاقل الاجتهاد وبذل المجهود ليرتقى الى ما ترقى اليه اهل الخير والجود

بال بكشا وصفير ازشجر طوبى زن حيف باشد جو تومرغى كه اسير قفسى
كاروان رفت وتودرراه كمين كاه بخواب وه كه بس بيخبرى زين همه بانك جرسى

ونعم ما قيل

عاشق شورانه روزى كارجهان سرآيد تاخوانده نقش مقصود از كاركاه هستى

نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى ويداوى هذه القلوب المرضى وهو المعين على كل حال وفى كل حين.