خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ
١٩٩
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢٠٠
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ خذ العفو } "- روى - انه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل (ما الاخذ بالعفو) فقال لا ادرى حتى اسأل ثم رجع فقال يا محمد ان ربك امرك ان تعطى من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وان تحسن الى من اساء اليك"

هركه زهرت دهد بدوده قند وآنكه ازتو برد بدوبيوند

والعفو من اخلاقه تعالى.
قال سعيد بن هشام دخلت على عائشة فسألتها عن اخلاق النبى عليه السلام قالت اما تقرأ القرآن قلت بلى قالت كان خلق رسول الله القرآن وانما ادبه بالقرآن بمثل قوله تعالى { خذ العفو وائمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين } وبقوله
{ { واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } [لقمان: 17] وبقوله { { فاعف عنهم واصفح } [المائدة: 13].
وغير ذلك من الآيات الدالة على مكارم اخلاقه { وامر بالعرف } بالجميل المستحسن من الافعال لانها قريبة من قبول الناس من غير نكير.
قال فى التيسير قالوا فى العرف تقوى الله صلة الارحام وصون اللسان عن الكذب ونحوه وغض البصر عن المحارم وكف الجوارح عن المآثم { واعرض عن الجاهلين } ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم واغضض عما يسوءك منهم وذلك لانه ربما اقدم بعض الجاهلين عند الترغيب والترهيب على السفاهة والاذى والضحك والاستهزاء فلهذا السبب امر الله تعالى حبيبه فى آخر الآية بتحمل الاذى والحلم عمن جفا فظهر بهذا ان الآية مشتملة على مكارم الاخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس معه ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا فى الاسواق ولا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح كذا فى الكواشى - روى - انه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"كيف يا رب والغضب"
. فنزل قوله تعالى { واما } كلمتان ان التى هى للشرط وما التى هى صلة زائدة { ينزغنك } النزغ والنخس الغرز يقال نزعه طعن فيه ونزغ بينهم افسد واغرى ووسوس ونخس الدابة غرز مؤخرها او جنبها بعود ونحوه { من الشيطان نزغ } اى نازغ كرجل عدل بمعنى عادل وشبهت وسوسته للناس واغراؤهم على المعاصى بغرز السائق لما يسوقه والمعنى واما يحملنك من جهته وسوسة ما على خلاف ما امرت به من اعتراء غضب او نحوه { فاستعذ بالله } فالتجئ اليه تعالى من شره واعتصم { انه } تعالى { سميع } يسمع استعاذتك به قولا { عليم } يعلم تضرعك اليه قلبا فى ضمن القول او بدونه فيعصمك من شره.
قال فى البحر وختم بهاتين الصفتين لان الاستعاذة التى تكون باللسان لا تجدى الا باستحضار معناها. فالمعنى سميع للاقوال عليم بما فى الضمائر واختلفوا هل المراد الشيطان او القرين فقط والظاهر انه فى حقنا القرين قال الله تعالى
{ { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } [الزخرف: 36].
وفى حق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ابليس اما نحن فلان الانسان لايؤذيه من الشياطين الا ما قرن به وما بعده فلا يضر شيئاً والعاقل لا يستعيذ ممن لا يؤذيه واما الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فان قرينه قد اسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذ من غيره وغيره يتعين ان يكون ابليس او اكابر جنوده لانه قد ورد فى الحديث
"ان عرش ابليس على البحر الاخضر وجنوده حوله واقربهم اليه اشدهم بأسا ويسأل كلا منهم عن عمله واغوائه ولا يمشى هو الا فى الامور العظام"
. والظاهر ان امر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من اهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته كما ورد "ان عدو الله ابليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى فقلت اعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت العنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم اردت اخذه والله لولا دعوة اخينا سليمان لاصبح موثقا يلعب به ولدان اهل المدينة"
. والدعوة قوله { { رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى } [ص: 35].
وانما لم يشده ولم يأخذه لان التسخير التام مختص بسليمان عليه السلام.
فان قلت لم لم يمنع ابليس عن النبى صلى الله عليه وسلم كما منع به عن السماء الشياطين.
قلت ان الله تعالى جعل اكثر الاشياء كذلك يمنع بها ولا يمنع عنها ألا ترى ان الليل يمنع النهار والنهار يمنع الليل ولا يمنع عنهما النور والظلمة وكذلك احياء الموتى لعيسى عليه السلام ولم يمنع عنه الموت وايضا لما منع الشياطين عن السماء ظنوا انهم لا يقدرون على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فسلطهم عليه ثم عصمه منهم ليعلموا انه ليس بايديهم شىء.
وقال النيسابورى اراد ان يظهر لخلقه ان غيره مقهور غير معصوم ولا قاهر الا الله تعالى.
وعن بعض العلماء ان الخطاب فى قوله { واما ينزغنك } وان كان للنبى عليه السلام الا ام المراد امته وتشريع الاستعاذة لهم.
يقول الفقير حفظه الله القدير يعضده ما قال بعض الاولياء من امته وهو ابو سليمان الدارانى قدس سره ما خلق الله خلقا اهون على من ابليس لولا ان الله امرنى ان أتعوذ منه ما تعوذت منه ابدا وما قال البعض الآخر حين قيل له كيف مجاهدتك للشيطان وما الشيطان نحن قوم صرفنا هممنا الى الله فكفانا من دونه فاذا كان هذا حال الولى فما ظنك بحال النبى ويدل عليه ايضا كلمة ان الدالة على عدم الجزم.
واعلم ان الغضب لغير الله من نزغات الشيطان وانه بالاستعاذة يسكن - روى -
"انه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يخاصم اخاه قد احمر وجهه وانتفخت او داجه من الغضب فقال عليه السلام انى لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال اعوذ بالله من الشيطان لذهب عنه ما يجده"
. وفى الحديث "ان الغضب من الشيطان وان الشيطان من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضأ" : وفى المثنوى

جون زخشم آتش تودر دلها زدى مايه نار جهنم آمدى
آتشت اينجاجه آدم سوز بود آنجه ازوى زاد مرد افروز بود
آتش توقصد مردم ميكند نار كزوى زاد برمردم زند
اين سخنهاى جومار وكزدست مار وكزدم كشت وميكردد دمت
خشم توتخم سعير ودوزخست هين بكش اين دوزراكين فخست

وفى الحديث "لما اراد الله ان يخلق لابليس نسلا وزوجة القى عليه الغضب فطارت منه شظية من نار فخلق منها امرأته"
. كذا فى حياة الحيوان.
والاشارة { خذ العفو } اى تخلق بخلق الله فان العفو من اخلاقه تبارك وتعالى { وائمر بالعرف } اى بالمعروف وهو طلب الحق تعالى لانه معروف العارفين { وأعرض عن الجاهلين } يعنى عن كل ما يدعوك الى غير الله وعمن يطلب ما سوى الله فان الجاهل هو الذى لا يعرف الله ولا يطلبه والعالم من يطلبه ويعرفه { واما ان ينزغنك من الشيطان نزغ } فى طلب غير الله { فاستعذ بالله } من غير الله بان تفر الى الله وتترك ما سواه { انه سميع } يسمع القول والاجابة لما تدعوه اليه { عليم } بما ينفعك ويضرك فيسمع ما ينفعك دون ما يضرك كذا فى التأويلات النجمية.