خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
٢٦
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا بنى آدم } خطاب للناس كافة ـ روى ـ ان العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها فنزلت الى آخر الآيات الثلاث { قد انزلنا عليكم لباسا } اى خلقناه لكم بانزال سببه من السماء وهو ماء المطر فما تنبته الارض من القطن والكتان من ماء السماء وما يكون من الكسوة من اصواف الانعام فقوام الانعام ايضا من ماء السماء.
واعلم ان السماء فاعلة والارض قابلة والحوادث الارضية منسوبة الى السماء فكل ما فى الارض انما هو بتدبيرات سماوية { يوارى سوآتكم } اى يستر عوراتكم فكشف العورة مع وجود ما يسترها من اللباس فى غاية القباحة ولا شك ان الشيطان اغوى من فعل ذلك كما اغوى آدم وحواء فبدت لهما سوآتهما ونستعيذ بالله من شره { وريشا } هو من قبيل ما حذف فيه الموصوف واقيمت صفته مقامه كأنه قيل ولباسا ريشا اى ذا ريش وزينة تتجملون به عبر عن الزينة بالريش تشبيها لها بريش الطائر لان الريش زينة الطائر كما ان اللباس زينة لبنى آدم كأنه قيل انزلنا عليكم لباسين لباسا يوارى سوآتكم ولباسا يزينكم فان الزينة غرض صحيح قال تعالى
{ { لتركبوها وزينة } } [النحل: 8].
قال الحسين الكاشفى [در تفسير امام زاهد فرموده كه لباس آنست كه از ينبه باشد وريش ازابرشيم وكتان وبشم] { ولباس التقوى } اى خشية الله تعالى مبتدأ خبره قوله { ذلك خير } شبهت التقوى بالملبوس من حيث انها تستر صاحبها وتحفظه مما يضره كما يحفظه الملبوس.
قال قتادة والسدى هو العمل الصالح لانه يقى من العذاب كأنه قال لباس التقوى خير من الثياب لان الفاجر وان كان حسن الثياب فهو بادى العورة.
قال الشاعر

انى كأنى ارى من لا حياء له ولا امانة وسط القوم عريانا

قال الحافظ

فلندران حقيقت بنيم جو نخرند قباى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست

وفى التفسير الفارسى [{ ولباس التقوى } وبوشش تقوى يعنى لباس كه براى تواضع بوشند جون بشيمينها وجامها درشت { ذلك خير } آن بهتراست كه ازلباسهاى نرم] وفى الحديث "من رق ثوبه رق دينه"
.وقيل اول من لبس الصوف آدم وحواء حين خرجا من الجنة.
وكان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ويأكل من الشجر ويبيت حيث امسى فلبس الصوف والشعر علامة التواضع وفيه تشبيه بالمساكين والعاقل من اختار ما اختاره الصلحاء: قال الصائب

جمعى كه بشت كرم بعشق نيند ناز سمور ومنت سنجاب ميكشند

واعلم ان اكل جزء من اجزاء الانسان لباسا يوارى سوآة ذلك الجزء من ظاهره وباطنه فلباس الشريعة يوارى سوآة الافعال القبيحة باحكام الشريعة فى الظاهر. وسوآة الصفات الذميمة النفسانية والحيوانية بآداب الطريقة فى الباطن والتقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفى. فلباس القلب من التقوى هو الصدق فى طلب المولى يوارى سوآة طبع الدنيا وما فيها. ولباس الروح من التقوى محبة الحق تعالى يوارى به سوآة التعلق بغير المولى. ولباس السر هو شهود انواع اللقاء يوارى به سوآة رؤية ما سوى الله تعالى. ولباس الخفى هو البقاء بهوية الحق يوارى به سوآة هوية الخلق [يعنى همه تعينات مضمحل ومتلاشى كردد وحجاب بندار ازسر وجودات متكثرة دركشيده آيد وسر { لمن الملك اليوم } برغرفه وحدت قهارى جلوه نمايد]

ملك ملك اوست او خود ما لكست غير ذاتش كل شئ هالكست
كل شئ ما خلا الله باطل ان فضل الله غيم هاطل
هالك آيدييشى وجهش هست نيست هستى اندرنيسنى خود طرفه ايست

{ ذلك } اى انزال اللباس { من آيات الله } الدالة على فضله ورحمته { لعلهم يذكرون } فيعرفون نعمته حيث اغناهم باللباس عن خصف الورق او يتعظون فيتورعون عن القبائح نحو كشف العورة.
وفى الاسرار المحمدية العالم مشحون بالارواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا الله وما يعلم جنود ربك الا هو.
قال حجة الاسلام فى كتابه معراج السالكين والدليل على ذلك امر النبى عليه السلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين.
وكان الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر يدخلون الماء وعليهم السراويلات تسترا عن سكان الماء ـ يحكى ـ عن احمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة يتجردون ويدخلون الماء فاستعملت خبر النبى عليه السلام
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر"
.فلم اتجرد فرأيت تلك الليلة فى المنام كأن قائلا يقول ابشر يا احمد فان الله تعالى قد غفر لك باستعمال السنة فقلت ومن انت قال انا جبرائيل فقد جعلك الله اماما يقتدى بك.
قال فى الشرعة وينوى بلبس الثياب ستر العورة والعيب الواقع فى البدن والتزين بها توددا الى اهل الاسلام لا لحظ النفس فان ذلك اللبس بتلك النية يصفى وينور العقل عن الكدورات تصفية بحيث لا يشوبه شئ من اهوية النفس وحظوظها ويؤجر عليه بتلك النية.
قيل الاعمال البهيمية ما كان بغير نية.
فعلى العاقل جميع الهمم بحيث لا يسخ فى السر ذكر غيره تعالى.