خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٧
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا بنى آدم لايفتننكم الشيطان } اى لا يوقعنكم فى الفتنة والمحنة بان يمنعكم من دخول الجنة باغوائكم { كما اخرج ابويكم من الجنة } نعت لمصدر محذوف اى لا يفتننكم فتنة مثل فتنة اخراج ابويكم آدم وحواء من الجنة فانه اذا قدر بكيده على ازلالهما فان يقدر على ازلال اولاده اولى فوجب عليكم ان تحترزوا عن قبول وسوسته والنهى فى اللفظ للشيطان والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتتان به وهو ابلغ من لا تقبلوا فتنة الشيطان { ينزع عنهما لباسهما } حال من ابويكم.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان لباسهما كان من الظفر اى كان يشبه الظفر فانه كان مخلوقا عليهما خلقة الظفر واسند نزع اللباس الى الشيطان مع انه لم يباشر ذلك لكونه سببا فى ذلك النزع { ليريهما سوآتهما } اى ليظهر لهما عوراتهما وكانا قبل ذلك لايريانها من انفسهما ولا احدهما من الآخر كما روى ان آدم كان رجلا طوالا وكأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع بالخطيئة بدت سوآته وكان لا يراها فانطلق هاربا فى الجنة فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته بشعره فقال لها ارسلينى فقالت لست مرسلتك فناداه ربه يا آدم أمنى تفرّ قال لا ولكنى استحييت { انه } اى الشيطان او الشان { يراكم هو وقبيله } اى جنوده وذريته { من حيث لا ترونهم } من لابتداء غاية الرؤية وحيث ظرف لمكان اتفاء الرؤية ومعناه بالفارسية [ازجايى كه شما اورانمى بينيد يعنى اجسام ايشان از غايت رقت ولطافت در نظر شما نمى آيد وايشان اجاسم شمارا بواسطة غلظت وكثافت مى بينند حذر از جنين دشمن لازمست]: وفى المثنوى

ازنبى برخوان كه ديو و قوم او مى برنداز حال انسى خفيه بو
ازر هى كه انس ازان آكاه نيست زانكه زين محسوس وزين اشباه نيست
مسلكى دارند ازديده درون مازد دزديهاى ايشان سرنكون
دمبدم خبط وزيانى ميكنند صاحب نقب وشكاف زوربند

ورؤيتهم ايانا من حيث لا نراهم فى الجملة اى فى بعض احوالهم وهو حال بقائهم على صورهم الاصلية لا يقتضى امتناع رؤيتنا اياهم بان يتمثلوا لنا كما تواتر من ان بعض الناس رأى الجن جهارا علنا.
قال فى آكام المرجان فى احكام الجان لو كشف الله اجاسمهم وقوى شعاع ابصارنا لرأيناهم او لو كثفهم وشعاع ابصارنا على ما هو عليه من غير ان يقوى لرأيناهم ألا ترى ان الريح ما دامت رقيقة لطيفة لا ترى فاذا كشفت باختلاف الغبار رأيناهم ولم يمتنع دخولهم فى ابداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذى هو الروح فى ابداننا من التخرق والتخلخل وفى الحديث
"ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم"
. وقد يحتاج فى ابراء المصروع ودفع الجن عنه الى الضرب فيضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة او اربعمائة ضربة او اقل او اكثر والضرب انما يقع على الجنى ولا يحس به المصروع ولو كان على الانسى لقتله وكذا يجوز دخولهم فى الاحجار اذا كان مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها.
فان قلت لو دخل الجن فى جسد ابن آدم لتداخلت الاجسام ولاحترق الانسان.
قلت الجسم اللطيف يجوز ان يدخل الى مخاريق الجسم الكثيف كالهواء الداخل فى سائر الاجسام ولا يؤدى ذلك الى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لانها لا تجتمع الا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول وانما يدخل فى اجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف والجن ليسوا بنار محرقة بل هم خلقوا من نار فى الاصل كما خلق آدم من التراب فالنسبة باعتبار الجزء الغالب.
قال فى بحر الحقائق الاشارة انهم انما يرونكم من حيث البشرية التى هى منشأ الصفات الحيوانية وانكم محجوبون بهذه الصفات عن رؤيتهم لا من حيث الروحانية التى هى منشأ علوم الاسماء والمعرفة فانهم لا يرونكم فى هذا المقام وانتم ترونهم بالنظر الروحانى بل بالنظر الربانى انتهى.
ثم قوله { انه يرٰكم } تعليل للنهى ببيان انه عدو صعب الاحتراز عن ضرره فان العدو الذى يراك ولا تراه شديد المؤونة لا يتخلص منه الا من عصمهُ الله فلا بد ان يكون العاقل على حذر عظيم من ضرره.
فان قيل كيف نحاربهم ونحترز عنهم ونحن لا نراهم.
قلنا لم نؤمر بمحاربة اعيانهم وانما امرنا بدفع وسوستهم وعدم قبول ما القاه فى قلوبنا بالاستعاذة منه الى الله تعالى ـ روى ـ عن ذى النون المصرى انه قال ان كان هو يراك من حيث لا تراه فان الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه فان كيد الشيطان كان ضعيفا { انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون } بما اوجدنا بينهم من التناسب فى الخذلان والغواية فصار بعضهم قرين بعض واغواه. فالاولياء جمع ولى بمعنى الصديق ضد العدو يقال منه تولاه اى اتخذه صديقا وخليلا.
وذكر عن وهب بن منبه انه قال
"امر الله تعالى ابليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاء على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له من انت قال انا ابليس قال لماذا جئت قال امرنى ربى ان آتيك واجيبك فاخبرك عما تسألنى فقال عليه الصلاة والسلام فكم اعداؤكم من امتى قال خمسة عشر انت يا محمد. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن رحيم القلب. وثابت على التوبة. ومتورع عن الحرام. ومديم على الطهارة. ومؤمن كثير الصدقة. وحسن الخلق مع الناس. ومن ينتفع الناس. وحامل القرآن مديم عليه. وقائم الليل والناس نيام قال فكم رفقاؤكم من امتى فقال عشرة. سلطان جائر. وغنى متكبر. وتاجر خائن. وشارب الخمر والقتال. وصاحب الرياء. وآكل مال اليتيم. وآكل الربا. ومانع الزكاة. والذى يطيل الامل فهؤلاء اصحابى واخوانى" فظهر ان الشياطين كما انهم اولياء لاهل الكفر كذلك هم اولياء لمن هو فى حكم اهل الكفر من اهل المعصية ونسأل الله العناية والتوفيق ـ ويحكى ـ ان الخبيث ابليس تبدى ليحيى بن زكرياء عليهما السلام فقال انى اريد ان انصحك قال كذبت انت لا تنصحنى ولكن اخبرنى عن بنى آدم قال هم عندنا على ثلاثة اصناف. اما الصنف الاول منها فاشد الاصناف علينا نقبل عليه حتى نفتنه ونتمكن منه ثم يفزع الى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شئ ادركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك فى عناء. واما الصنف الثانى فهم فى ايدينا بمنزلة الكرة فى ايدى صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا قد كفونا انفسهم. واما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شئ قال يحيى بعد ذلك هل قدرت منى على شئ قال لا الا مرة واحدة فانك قدمت طعاما تأكله لم ازل اشهيه اليك حتى اكلت منه اكثر مما تريد فنمت تلك الليلة فلم تقم الى الصلاة كما كنت تقوم اليها فقال له يحيى لا جرم انى لا اشبع من طعام ابدا قال له الخبيث لا انصح آدميا بعدك.
ولقى يحيى بن زكريا ابليس فى صورته ايضا فقال له اخبرنى من احب الناس اليك وابغض الناس اليك فقال احب الناس الى المؤمن البخيل وابغضهم الى الفاسق السخى قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخى اتخوف ان يطلع الله عليه فى سخاه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم اخبرك كذا فى آكام المرجان فى احكام الجان.