خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الزينة وان كانت اسما لما يتزين به من الثياب الفاخرة الا ان المفسرين اجمعوا على ان المراد بالزينة ههنا الثياب التى تستر العورة استدلالا بسبب نزول الآية وهو ان اهل الجاهلية من قبائل العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وقالوا لا نطوف فى ثياب اصبنا فيها الذنوب ودنسناها بها فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة فامرهم الله تعالى ان يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا عند كل مسجد سواء دخلوه للصلاة او للطواف وكانوا قبل ذلك يدعون ثيابهم وراء المسجد عند قصد الطواف.
وفى تفسير الحدادى كانوا اذا قدموا منى طرح احدهم ثيابه فى رحله فان طاف وهى عليه ضرب وانتزعت منه وكانت المرأة تطوف بالليل عريانة الا انها كانت تتخذ سيورا مقطعة تشدها فى حقويها فكانت السيور لا تسترها سترا تاما.
وهذه الآية اصل فى وجوب ستر العورة فى الصلاة والمعنى خذوا ثيابكم لمواراة عورتكم عند كل مسجد لطواف او صلاة.
قال شيخ الاسلام خواهر زاده فيه دليل على ان اللبس من احسن الثياب مستحب حالة الصلاة لان المراد من الزينة الثوب بطريق اطلاق اسم المسبب على السبب انتهى فاخذ الثوب واجب ولباس التجمل مسنون وكان ابو حنيفةرحمه الله اتخذ لباسا لصلاة الليل وهو قميص وعمامة ورداء وسراويل قيمة ذلك الف وخمسمائة درهم يلبسه كل ليلة ويقول التزين لله تعالى اولى من التزين للناس.
قال الفقهاء ولا اعتبار لستر الظلمة لان الستر وجب لحق الصلاة وحق الناس.
وفى التفسير الفارسى [كفته اند بزبلن علم ستر عورتست براى نماز وبزبان كشف حضور دلست براى عرض راز

ذوق طاعت بى حضور دل نيابد هيجكس طالب حق را دل حاضر برين دركاه بس

{ وكلوا واشربوا } ما طاب لكم من الاطعمة والاشربة ـ روى ـ ان بنى عامر فى ايام حجهم كانوا لا يأكلون الطعام الا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فهم المسلمون به فنزلت
والاشارة كلوا مما يأكل اهل البينات فى مقام العبودية واشربوا مما يشربون كما قال عليه السلام
"ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى"
. وكان عليه السلام يخص رمضان من العبادات بما لا يخص به غيره من الشهور حتى انه كان يواصل احيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة وكان ينهى اصحابه عن الوصال فيقولون له فانك تواصل فيقول "لست كاحدكم انى ابيت" وفى رواية "اظل عند ربى يطعمنى ويسقينى"
. وقد اختلف العلماء فى هذا الطعام والشراب المذكور على قولين. احدهما انه طعام وشراب حسى بالفم قالوا وهذا حقيقة اللفظ ولا يجب العدول عنه وكان يؤتى بطعام من الجنة. والثانى ان المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه لقربه ونعيم محبته وتوابع ذلك من الاحوال التى هى غذاء القلوب ونعيم الارواح وقرة الاعين وبهجة النفوس ـ حكى ـ ان مريد اخدم الشيخ منصور الحلاج فى الكعبة حين كان مجاورا سنتين قال كان يجئ له طعام من ارباب الخيرات فاضعه عنده ثم اجده فى الصبح من غير نقصان فاطعمه فقيرا فما رأيته فى السنتين اكل لقمة.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى ان النبى عليه السلام انما اكل فى الظاهر لاجل امته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب وما روى من انه كان يشد الحجر فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت فكان يشد الحجر حتى يحصل الاستقرار فى عالم الارشاد قال يعنى انه صلى الله عليه وسلم كان ينظر الى حدوث العالم فيتنعم بتجل البقاء انتهى كلامه { ولا تسرفوا } بتحريم الحلال فان بتحريم الحلال يتحقق تضييع المال وهو اسراف او بالتعدى الى الحرام بان يتناول ما حرمه الله عليه من المأكول والمشروب والملبوس او بافراط الطعام والشره عليه بان يتناول ما لا يحتاج اليه البدن فى قوامه فان ذلك ايضا من قبيل الاسراف { انه لا يحب المسرفين } لا يرتضى فعلهم ولا يثنى عليهم.
قال بعضهم الاسراف هو ان يأكل الرجل كل ما يشتهيه ولا شك ان من كان تمام همته مصروفا الى فكر الطعام والشراب كان اخس الناس واذلهم

خواجه را بين كه ازسحر تاشام دارد انديشه شراب وطعام
شكم ازخوش دلى وخوش حالى كاه بر ميكند كهى خالى
فارغ ازخلد وايمن از دوزخ جاى اومزبلست ويا مطبخ

[شيخ الاسلام عبدالله الانصارى فرموده كه اكرهمه دنيارا لقمه سازى ودردهان درويشى نهى اسراف نباشد اسراف آن بودكه نه برضاى حق تعالى صرف كنى]

يك جوانراكه خير دائم داشت بند ميداد راهبى دردير
كاى بسرخير نيست دراسراف كفت اسراف نيست اندرخير

قال فى التأويلات النجمية الاسراف نوعان افراط وتفريط فالافراط ما يكون فوق الحاجة الضرورية او على خلاف الشرع او على وفق الطبع والشهوة او على الغفلة او على ترك الادب او بالشره او على غير ذلك والتفريط ان ينقص من قدر الحاجة الضرورية ويقصر فى حفظ القوة والطاقة للقيام بحق العبودية او يبالغ فى اداء حق الربوبية باهلاك نفسه فيضيع حقها او يضيع حقوق الربوبية بحظوظ نفسه او يضيع حقوق القلب والروح والسر التى هى مستعدة لحصولها بحظوظ النفس فالمعنى لا تسرفوا اى لا تضيعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم انتهى ـ ويروى ـ ان هرون الرشيد كان له طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن حسيبن بن واقد ليس فى كتابكم من علم الطب شئ والعلم علمان علم الاديان وعلم الابدان فقال له ان الله تعالى قد جمع الطب كله فى نصف آية من كتابنا قال وما هى قال قوله تعالى { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصرانى وهل يؤثر عن رسولكم شئ من الطب قال نعم جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب فى الفاظ يسيرة قال وما هى قال قوله "المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وعودوا كل جسم ما اعتاد"
. فقال النصرانى ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا.
وعن ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وينبغى لاهل الرخصة ان يقتصروا على اكلتين فى اليوم والليلة فى غير شهر رمضان ولاهل العزيمة على اكلة واحدة فان ما فوق الاكلتين للطائفة الاولى وما فوق الاكلة للثانية تجاوز عن الحد وميل الى الاتصاف بصفات البهائم. والهند جل معالجتهم الحيمة يمتنع المريض عن الاكل والشرب والكلام عدة ايام فيبرأ فجانب الاحتماء اولى.