خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٥٤
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ان ربكم } الخطاب لكفار مكة المتخذين اربابا. والمعنى [بدرستى كه برورد كارشما] على التحقيق { الله } [خداييست] جامع جميع صفات كمال { الذى خلق السموات والارض } لا على مثال سبق { فى ستة ايام } اى فى ستة اوقات ولو شاء لخلقها فى اسرع من لحظة ولكنه علم عباده التأنى فى الامور: وفى المثنوى

مكر شيطانست تعجيل وشتاب خوى رحمانست صبر واحتساب [1]
باتأنى كشت موجود از خدا تابشش روز اين زمين وجرخها [2]
ورنه قادر بود كزكن فيكون صد زمين وجرخ آوردى برون
اين تأنى از بى تعليم تست صبركن دركار دير آى ودرست

قالوا لا يحسن التعجيل الا فى التوبة من الذنوب وقضاء الدين بعد انقضاء مدته وقرى الضيف وتزويج البكر بعد بلوغها ودفن الميت والغسل من الجنابة.
واعلم ان الله تعالى بالقادرية والخالقية اوجد السموات والارض وبالمدبرية والحكيمية خلقها فى ستة ايام وانما حصر فى الستة انواع المخلوقات الستة. وهى الارواح المجردة. والثانى الملكوتيات فمنها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات ومنها العقول المفردة والمركبة. والثالث النفوس كنفوس الكواكب ونفس الانسان ونفس الحيوان ونفس النبات والمعادن. والرابع الاجرام وهى البسائط العلوية من اجسام اللطيفة كالعرش والكرسى والسموات والجنة والنار. والخامس الاجسام المفردة وهى العناصر الاربعة. والسادس الاجسام المركبة الكثيفة من العناصر فعبر عن خلق كل منها بيوم والا فالايام الزمانية لم تكن قبل خلق السموات والارض { ثم استوى على العرش } العرش يطلق على السرير الذى يجلس عليه الملوك وعلى كل ما علاك واظل عليك وهو بهذين المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعز والسلطنة على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فالمعنى بعد ان خلق الله عالم الملك فى ستة ايام كما اراد استوى على الملك وتصرف فيه كيف شاء فحرك الافلاك وسير الكواكب وكور الليالى والايام ودبر امر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته. وهذا معنى قول القاضى استوى امره اى استقر امر ربوبيته وجرى امره وتدبيره ونفذ قدرته فى مصنوعاته وتخصيص العرش لانه اعظم المخلوقات فانه الجسم المحيط بجميع الاجسام فالاستواء عليه استواء على ما عداه ايضا من الجنة والنار والسموات والعناصر وغيرها.
وفى التفسير الفارسى { ثم استوى } [بس قصد كرد على العرش بآفرينش عرش].
قال الحدادى ويقال ثم هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التراخى فان خلق العرش كان قبل خلق السموات والارض وقد رود فى الخبر
"ان اول شئ خلق الله القلم ثم اللوح فامر الله القلم ان يكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ثم خلق العرش ثم خلق حملة العرش ثم خلق السموات والارض" .
قال شيخى العلامة ابقاه الله بالسلامة المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه التجلى الاحدى المعبر عنه فى القرآن بالحق واستواء الامر الارادى الايجادى على العرش بمنزلة استواء الامر التكليفى الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوى السوى فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوى المستوى انتهى باختصار.
قال فى التأويلات النجمية لما اتم خلق المكونات من الانواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف فى العالم وما فيه التدبر فى اموره من العرش الى تحت الثرى وانما خص العرش بالاستواء لانه مبدأ الاجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحمانى وهذا الاستواء صفة من صفات الله تعالى لا يشبه استواء المخلوقين كالعلم صفة من صفاته لا يشبه علم المخلوقين اذ ليس كمثله شئ وهو السميع العليم ولو امعنت النظر فى خصوصية خلافتك الحق تعالى لعرفت نفسك فعرفت ربك وذلك ان الله تعالى لما اراد خلق شخصك من النطفة المودعة فى الرحم استعمل روحك بخلافته ليتصرف فى النطفة ايام الحمل فيجعلها عالما صغيرا مناسبا للعالم الكبير فيكون بدنه بمثابة الارض ورأسه بمثابة السماء وقلبه بمثابة العرش وسره بمثابة الكرسى وهذا كله بتدبير الروح وتصرفه خلافة عن ربه ثم استوى الروح بعد فراغه من الشخص الكامل على عرش القلب استواء مكانيا بل استوى ليتصرف فى جميع اجزاء الشخص ويدبر اموره بافاضة فيضه على القلب فان القلب هو القابل لفيض الحق تعالى الى المخلوقات كلها كما ان القلب مغتنم فيض الروح الى القالب كله فاذا تأملت فى هذا المثال تأملا شافيا وجدته فى نفى الشبيه عن الصفات المنزهة المقدسة كافيا وتحققت حقيقة من عرف نفسه فقد عرف ربه ان شاء الله تعالى.
ثم انه تعالى لما ذكر استواءه على العرش واخبر بما اخبر من نفاذ امره واطراد تدبيره بين ذلك بطريق الاستئناف فقال { يغشى الليل النهار } اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار ويغطيه بظلمة الليل ولم يذكر العكس اكتفاء باحد الضدين.
وفيه اشارة الى ليل ظلمات النفس عند استيلا صفاتها وغلبات هواها على نهار انوار القلب والى نهار القلب عند غلبات انواره واستيلاء المحبة عليه { يطلبه حثيثا } حال من الليل اى يجعل الليل غاشيا للنهار حال كون الليل طالبا له اى لمجيئه عقيب الليل سريعا. وحثيثا منصوب على انه صفة مصدر محذوف اى يطلبه طلبا حثيثا اى سريعا ولما كان كل واحد من الليل والنهار يعقب الآخر ويجئ بعده من غير ان يفصل بينهما بشئ صار كأنه يطلب الآخر على منهاج واحد { والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره } عطف على السموات اى خلق كل هذه المخلوقات حال كونها مسخرات بقضائه وتصرفه اى مذللات لما يراد منها من الطلوع والافول والحركات المقدرة والاحوال الطارئة عليها { ألا } تنبيه معناه اعلموا { له } اى لله تعالى والتقديم للتخصيص { الخلق والامر } فانه الموجد للكل والمتصرف فيه على الاطلاق.
وفى التأويلات النجمية ما خلق بامره تعالى من غير واسطة امر وما خلق بواسطة خلق.
وذكر الامام ان العالم وهو ما سوى الله تعالى منحصر فى نوعين عالم الخلق وعالم الامر وان المراد بعالم الخلق عالم الاجساد والجسمانيات وبعالم الامر عالم الارواح والمجردات وان قوله تعالى { ألا له الخلق والامر } اشارة الى هذين العالمين عبر عن العالم الاول بعالم الخلق لان الخلق عبارة عن التقدير وكل ما كان جسما او جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فعبر عنه بعالم الخلق وكل ما كان مجردا عن الحجم والمقدار كان من عالم الارواح ومن عالم الامر مكونات بمجرد امركن فخص كل واحد منهما باسم مناسب له وقيل ألا له الخلق والامر انتهى كلام الامام.
وقال حضرة شيخنا العلامة ابقاه الله بالسلامة الخلق عالم العين والكون والحدوث روحا وجسما والامر عالم العلم والالة والوجوب وعالم الخلق تابع لعالم الامر اذ هو اصله ومبدأه
{ { قل الروح من أمر ربى } [الإسراء: 85].
والله غالب على امره { تبارك الله رب العالمين } اى تعالى بالوحدانية فى الالوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية.
قال ابن الشيخ اى تعاظم الاله الواحد الموجد للكل المتصرف فيه بالربوبية رد به على الكفرة الذين كانوا يتخذون اربابا فدعاهم الى التوحيد بالحكمة والحجة وصدر الآية بان ردا لانكارهم فقال ان ربكم المستحق للربوبية ليس الا واحدا وهو الله الموجد للكل على الترتيب المحكم المتقن الدال على كمال العلم والحكمة والقدرة وهو الذى انشأ ملكه على ما يشاهد ثم اخذ فى تدبيره كالملك المتمكن فى مملكته بتدبير ملكه انتهى ـ يروى ـ ان الصاحب ابن عباد كان يتردد فى معنى الرقيم وتبارك والمتاع ويدور على قبائل العرب فسمع امرأة تسأل اين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم هو الكلب وان المتاع هو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وان تبارك بمعنى صعد وتعالى وفى الحديث
"من لم يحمد الله على عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط عمله ومن زعم ان الله خلق للعباد من الامر سببا فقد كفر بما انزل الله على انبيائه"
. لقوله تعالى { ألا له الخلق والامر } قال الشاعر

الى الله كل الامر فى خلقه معا وليس الى المخلوق شئ من الامر