خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ
٧
-الأعراف

روح البيان في تفسير القرآن

{ فلنقصن عليهم } اى على الرسل حين يقولون لا علم لنا انك انت علام الغيوب { بعلم } اى عالمين بظواهرهم وبواطنهم { وما كنا غائبين } عنهم فى حال من الاحوال فيخفى علينا شئ من اعمالهم واحوالهم.
واعلم ان الرسل يقولون يوم الحشر اللهم سلم سلم ويخافون اشد الخوف على اممهم ويخافون على انفسهم والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذى هم عليه من الامن لما هم اى النبيون عليه من الخوف على اممهم فمن لقى الله تعالى فى ذلك اليوم شاهدا له بالاخلاص مقرا بنبيه صلى الله عليه وسلم بريئا من الشرك ومن السحر بريئا من اهراق دماء المسلمين ناصحا لله تعالى ولرسوله محبا لمن اطاع الله ورسوله مبغضا لمن عصى الله ورسوله استظل تحت ظل عرش الرحمن ونجا من الغم ومن حاد عن ذلك ووقع فى شئ من هذه الذنوب بكلمة واحدة او تغير قلبه او شك فى شئ من دينه بقى الف سنة فى الحر والهم والعذاب حتى يقضى الله فيه بما يشاء ـ روى ـ ان ملكا من ملوك كندة كان طويل المصاحبة للهو واللذات كثير العكوف على اللعب فركب يوما للاصطياد او غيره فانقطع عن اصحابه فاذا هو برجل جالس قد جمع عظاما من عظام الموتى وهى بين يديه يقلبها فقال ما قصتك ايها الرجل وما الذى بلغ بك ما ارى من سوء الحال ويبس الجلد وتغير اللون والانفراد فى هذه الفلاة فقال اما ما ذكرت من ذلك فلانى على جناح سفر بعيد وبى موكلان مزعجان يحدوان بى الى منزل كبيت النمل مظلم القعر كريه المقر يسلمانى الى مصاحبة البلى ومجاورة الهلكى تحت اطباق الثرى فلو تركت بذلك المنزل مع ضيقه ووحشته وارتعاء حشاش الارض من لحمى حتى اعود رفاتا وتصير اعظمى رماما لكان للبلى انقضاء وللشقاء نهاية ولكنى ادفع بعد ذلك الى صيحة الحشر واردا طول مواقف الجرائم ثم لا ادرى الى أى الدارين يؤمر بى فأى حال يلتذ به من يكون هذا الامر مصيره فلما سمع الملك كلامه القى نفسه عن فرسه وجلس بين يدى وقال ايها الرجل لقد كدّر مقالك على صفو عيشى وملك قلبى فاعد على بعض قولك فقال له اما ترى هذه التى بين يدى قال بلى قال هذه عظام ملوك غرتهم الدنيا بزخرفها واستحوذت على قلوبهم بغرورها فالهتهم عن التأهب لهذه المصارع حتى فاجأتهم الآجال وخذلتهم الآمال وسلبتهم بهاء النعة وستنشر هذه العظام فتعود اجساما ثم تجازى باعمالها فاما الى دار النعيم والقرار واما الى دار العذاب والبوار ثم غاب الرجل فلم يدر اين ذهب وتلاحق اصحاب الملك به وقد تغير لونه وتواصلت عبراته فلما جن عليه الليل نزع ما عليه من لباس الملك ولبس طمرين وخرج تحت الليل فكان آخر العهد به وانشدوا

افنى القرون التى كانت منعمة كر اللييلات اقبالا وادبارا
ياراقد الليل مسرورا باوله ان الحوادث قد يطرقن اسحارا
لا تأمنن بليل طاب اوله فرب آخر ليل اجج النارا

قال الامام زين العابدين. عجبت للمتكبر الفخور الذى كان بالامس نطفة ويكون غذا جيفة. وعجبت كل العجب لمن شك فى الله وهو يرى خلقه. وعجبت كل العجب لمن انكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الاولى. وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء.
فعلى العاقل ان يعتبر بمن مضى قبل ان يجبيء على رأسه القضاء ويجتهد فى طريق الحق ذاكرا له فى الغدو والرواح ويتهيأ للموت قبل نزوله والوقت يمضى كالرياح فاين الذين وقعوا فى انكار الرسل وتكذيب الانبياء مضوا والله الى دار الجزاء وسينقضى الزمان كله فلا يبقى احد على بساط العالم من ملك وجن وبنى آدم وتطوى صحائف الاعمال وتنشر يوم السؤال ويظهر كل جليل ودقيق فيا شقاوة اهل الخذلان ويا سعادة اهل التوفيق اللهم انا نسألك مراقبة الاوقات ومحافظة الطاعات والتمشى على الصراط السوى فى المسلك الصورى والمعنوى فاعن الضعفاء يا قوى آمين يا معين.