{ فعقروا الناقة } اى نحروها وبالفارسى [بس بى كردند وبكشتند ناقه را] اسند العقر الى الكل مع ان المباشر بعضهم للملابسة او لان ذلك كان برضاهم فكأنه فعله كلهم -روى- ان الناقة كانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت رأسها فى البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها لا تدع قطرة واحدة ثم تتفحج فيحلبون ما شاؤا حتى تمتلئ اوانيهم كلها فيشربون ويدخرون ثم تصدر من اعلى الفج الذى وردت منه لانها لا تقدر ان تصدر من حيث ترد لضيقه.
قال ابو موسى الاشعرى اتيت ارض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا وكانوا اذا جاء يومهم وردوا الماء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثانى وكانت الناقة اذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادى فيهرب منها انعامهم الى بطنه واذا وقع البرد تشتت ببطن الوادى فيهرب منه مواشيهم الى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة ام غنم وصدقة بنت المختار لما اضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشى.
قال الحدادى كان فى ثمود امرأة يقال له صدوق كانت جميلة الخلق غنية ذات ابل وبقر وغنم وكانت من اشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لاجل انها اضرت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها ان عقر الناقة فاجابها الى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه ولد زنى ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار ازوجك أى بناتى شئت على ان تعقر الناقة وكان منيعا فى قومه فاجابها ايضا فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة فاتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون الناقة فقال لهم صالح بذلك فقالوا ما كنا لنفعل ثم تقاسموا بالله لنبيتنه واهله وقالوا نخرج فيرى الناس انا قد خرجنا الى سفر فنأتى الغار فنكون فيه حتى اذا كان الليل وخرج صالح الى مسجده قتلناه ثم رجعنا الى الغار فكنا فيه فاذا رجعنا قلنا ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون اى يعلمون انا خرجنا فى سفر لنا وكا صالح لا ينام فى القرية وكان له مسجد خارج القرية يقال له مسجد صالح ببيت فيه فاذا اصبح اتاهم فوعظهم واذا امسى خرج الى المسجد فانطلقوا ودخلوا الغار فلما كان الليل سقط عليهم الغار فقتلهم فلما اصبحوا.
رآهم رجل فصاح فى القرية فقال ما رضى صالح حتى قتلهم فاجتمع اهل القرية على عقر الناقة.
وقال ابن اسحق انما اجتمع التسعة الذين عقروا الناقة فقالوا هلموا لنقتل صالحا فان كان صالح صادقا منعنا قتله وان كان كذبا الحقناه بناقته فاتوا ليلا فبيتوه فى اهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة وقال بعضهم انطلق قدار ومصدع واصحابهما التسعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن له لها مصدع فى اصل صخرة اخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم خرج قدار فعقرها بالسيف فخرت ترغو ثم طعنها فى لبتها ونحرها وخرج اهل البلد واقتسموا لحمها فلما رآها سقبها كذلك رقى جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثاً ودموعه تنحدر حتى اتى الصخرة التى خلق منها فانفتحت فدخلها فذلك قوله تعالى { فعقروا الناقة } { وعتوا عن أمر ربهم } اى استكبروا عن امتثاله وهو ما بلغهم صالح من الامر بقوله فذروها ومن النهى بقوله ولا تمسوها واستكبروا عن اتباع امر الله وهو شرعه ودينه ويجوز ان يكون المعنى صدر عتوهم عن امر ربهم كان امر ربهم بترك الناقة كان هو السبب فى عتوهم ونجوا من هذه كما فى قوله وما فعلته عن امرى كذا فى الكشاف { وقالوا } مخاطبين له عليه السلام بطريق التعجيز والافحام { يا صالح ائتنا بما تعدنا } من العذاب على قتل الناقة { ان كنت من المرسلين } فان كونك من جملتهم يستدعى صدق ما تقول من الوعد والوعيد.