خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ ومن يولهم يومئذ دبره } اى ومن يجعل ظهره اليهم وقت اللقاء والقتال فضلا عن الفرار فيومئذ هنا بمعنى حينئذ لان اليوم وان كان اسما لبياض النهار اذا اطلق لكنه اذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت { إلا متحرفا لقتال } اما بالتوجه الى قتال طائفة اخرى اهم من هؤلاء واما بالفر للكر بان يخيل لعدوه انه منهزم ليغره ويخرجه من بين اعوانه ثم يعطف عليه وحده او مع من فى المكمن من اصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها يقال انحرف وتحرف اذا مال من جانب الى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الحالية والتقدير ومن يولهم ملتبسا بحال من الاحوال اية حال كانت الا فى حال كذا { أو متحيزا إلى فئة } اى منجازا الى جماعة اخرى من المؤمنين قريبة او بعيدة لينضم اليهم ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام الا فى هاتين الحالتين فان كل واحدة منهما ليست انهزاما فى الحقيقة بل من قبيل التهيئ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير احد هذين الغرضين { فقد باء } اى رجع { بغضب } عظيم كائن { من الله } تعالى { ومَأْوَٰهُ } فى الآخرة { جهنم } اى بدل ما اراد بفراره ان يأوى اليه من مأوى ينجيه من القتل والمأوى المكان الذى يأوي اليه الانسان اى يأتيه { وبئس المصير } اى المرجع جهنم وهذا الوعيد وان كان بحسب الظاهر متناولا لكل من يولى دبره وقت ملاقاة الكفار الا انه مخصوص بما اذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى فى آخر هذه السورة { { الآن خفف الله عنكم وعلم أَن فيكم ضَعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } [الأنفال: 66].
قال ابن عباس رضى الله عنه من فر من ثلاثة لم يفر ومن فر من اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف: وفى المثنوى

اين جنين هوشى كه ازموشى بريد اندر آن صف تيغ جون خواهد كشيد
جالش است آن حمزه خوردن نيست اين تاتو بر مالى بخوردن آسيتن
نيست حمزه خودن انيجا تيغ بين حمزه بايد درين صف آرهنين
كار هر نازك دلى نبود قتال كه كريزد از خيالى جون خيال
كار تركانست نى تركان برو جاى تركان هست خانه خانه شو

وعد بعض العلماء الكبائر الى سبعين منها الفرار من الجيش فى الغزو اذا كان مثلا او ضعفا وكل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهى كبيرة تسقط العدالة فى الشهادة فعلى العاقل ان يقدم على الحرب بقلب جريء ويعلم ان الجبن لا يؤخر اجله وان الاقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازى فى اوان المقاتلة باصناف من الخلق فيكون كقلب الاسد لا يجبن ولا يفر كما ان الاسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفى كبر النمر بالفارسية [بلنك] لا يتواضع للعدو وفى شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفى حملة الخنزير لا يولى دبره اذا حمل اى لا يعرض وجهه عما توجه اليه وفى اغارة الذئب اذا يئس من وجه اغار من وجه آخر والاغارة بالفارسية [يغما كردن] وفى حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل اضعاف وزن بدنها وفى الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفى الصبر كالحمار وفى الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه وفى التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون فى الصف ساكنا كالمصلي الخاشع ويكون فى متابعة امير العسكر كمتابعة المأموم امامه فى الصلاة اى لا يخالفه اصلا ويغطى نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب اذا زفت اى ارسلت الى الزوج وفى تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائى اذا قل ماله وعباداته ويكون فى المكر والخيلة اذا هزمه العدو اى غلب عليه كالثعلب اذا اضطره الكلب فان مدار الحرب على الخداع وفى التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفى الخفة فى تحريف القتال من جانب الى آخر كالصبى وفى صياحه اذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفى سوء ظنه اى فى الحذر عما يهلكه فى جميع احواله كالغراب الا بقع وهو الذى فيه سواد وبياض وفى حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركى وهو طير معروف لا زوردى اللون يشابه اللقلق فى الهيئة بالفارسية [كلتك] ومن الحيوان الذى لا يصلح الا برئيس لان فى طبعه الحرس والتحارس بالنوبة والذى يحرس يهتف بصوت خفى كأنه يندر بانه حارس فاذا قضى نوبته قام الذى كان نائما يحرس مكانه حتى يقضى كل ما يلزمه من الحراسة.
قال القزوينى والكركى لا يمشى على الارض الا باحدى رجليه ويعلق الاخرى وان وضعها وضعها خفيفا مخافة ان تخسف به الارض كذا فى حياة الحيوان.
والاشارة ايها القلوب المؤمنة اذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا من سطوات النفوس وغلبات صفاتها بل اثبتوا بالصبر عند صدمات النفوس فان الصبر عند الصدمة الاولى كما
"روى ان النبى عليه السلام اتى على امرأة تبكى على صبى ميت لها فقال : اتقى الله واصبرى.
فقالت وما تبالى على مصيبتى فلما ذهب عليه السلام قيل لها انه رسول الله فاخذها مصيبة مثل موت صبيها فجاءت بابه تستعذره وتقول لم اعرفك يا رسول الله فقال عليه السلام الصبر عند الصدمة الاولى"
الصدم ضرب الشئ الصلب بمثله والصدمة مرة منه يعنى الصبر الماجور عليه صاحبه ما كان عند فجاة المصيبة وحدتها لانه اذا طالت الايام عليه صار الصبر ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة يعنى الا قلبا ينحرف ليهيئ اسباب القتال مع النفس او راجعا الى الاستمداد من الروح وصفاتها او الى ولاية الشيخ يستمد منها الى الحضرة الربانية فى قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة والرياضة { فقد باء بغضب من الله } يعنى بطرد وابعاد منه { ومَأْوٰهُ جهنم وبئس المصير } اى مرجعه جهنم البعد عن الحضرة ونار القطيعة وبئس المرجع والمعاد