خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
٢٧
وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
٢٨
-الأنفال

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } اصل الخون النقص كما ان اصل الوفاء التمام واستعماله فى ضد الامانة لتضمنه اياه فانك اذا خنت الرجل فقد ادخلت عليه النقصان - روى - انه عليه السلام حاصر بنى قريظة احدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح كما صالح اخوانهم بنى النضير على ان يسيروا الى اخوانهم باذرعات واريحا من الشام فأبى الا ان ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضى الله عنه فأبوا وقالوا ارسل الينا ابا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم لان عياله وماله كانت فى ايديهم فبعثه اليهم فقالوا ما ترى هل ننزل على حكم سعد فاشار الى حلقه بالذبح اى ان حكم سعد فيكم ان تقتلوا صبرا فلا تنزلوا على حكمه يقال فلان مقتول صبرا اذا صار محبوسا على القتل حتى يقتل قال ابو لبابة فما زالت قدماى من مكانهما حتى علمت انى قد خنت الله ورسوله وذلك لانه عليه السلام اراد منهم ان ينزلوا على حكم سعد ويرضوا بما حكم فيهم وهو صرفهم عنه فنزلت هذه الآية فشد نفسه على سارية من سوارى المسجد وقال والله لا اذوق طعاما ولا شرابا حتى اموت او يتوب الله على فمكث سبعة ايام حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له قد تيب عليك فحل نفسك فقال والله لا احلها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى يحلنى فجاءه عليه السلام فحله فقال ان من تمام توبتى ان اهجر دار قومى التى اصبت فيها الذنب وان انخلع من مالى فقال عليه السلام "يجزئك الثلث ان تتصدق به"
. { وتخونوا أماناتكم } فيما بينكم اى تخونوها فهو مجزوم معطوف على الاول { وأنتم تعلمون } انكم تخونون يعنى ان الخيانة توجد منكم عن عمد ولا عن سهو ولما نهى عن الخيانة نبه على ان الداعى اليها انما هو حب المال والاولاد ألا يرى ان ابا لبابة انما حمله على ما فعل ماله واهله وولده الذين كانوا فى بنى قريظة لانه انما ناصحهم لاجلهم وخان المسلمين بسببهم فقال { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } الفتنة قد تطلق على الآفة والبلاء وقد تطبق على الابتلاء والامتحان فالمعنى على الاول انما اموالكم واولادكم اسباب مؤدية الى الوقوع فى الآفة التى هى ارتكاب المعصية فى الدنيا والوقوع فى عقاب الآخرة وعلى الثانى انها اسباب لوقوع العبد فى محن الله تعالى واختباراته حيث يظهر من اتبع الهوى ممن آثر رضى المولى { وأن الله عنده أَجر عظيم } لمن آثر رضى الله وراعى حدوده فيهم فأنيطوا اى علقوا هممكم بما يؤديكم اليه ولا يحملنكم حبهما على الخيانة [احمد انطاكى فرموده كه حق سبحانه وتعالى مال وفرزندانرا فتنه كفت تا ازفتنه بيكسورويم وما بيوسته بخلاف حكم خداوند آن فتنه را زيادت ميخواهيم]

جوان وبيركه دربند مال وفرزندند نه عاقلندكه طفلان ناخر مندند

قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه وتعالى من مال وولد فهو مشؤوم عليك واما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل انسان: قال فى المثنوى

جبست دنيا از خدا غافل بدن نى قماش ونقره وميزان وزن
مال راكز بهر دين باشى حمول نعم مال صالح خواندش رسول
آب دركشتى هلاك كشتى است آب اندر زير كشتى بشتى است
جونكه مال وملك را ازدل براند زان سليمان خويش جز مسكين نخواند

وفى الحديث "ان العبد اذا قال لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله من عصا ربه"
. فعلى العاقل ان لا يشتغل بسبب الدنيا ولعنها بل يلوم نفسه ولعنها فى حب الدنيا
قال ابو يزيد قدس سره جمعت فكرى واحضرت ضميرى ومثلت نفسى واقفا بين يدى ربى فقال لى يا أبا يزيد بأى شيء جئتنى قلت يا رب بالزهد فى الدنيا. قال يا ابا يزيد انما كان مقدار الدنيا عندى مثل جناح بعوضة ففيم زهدت منها فقلت الهى وسيدى استغفرك من هذه الحالة جئت بالتوكل عليكم قال يا ابا يزيد ألم اكن ثقة فيما ضمنت لك حتي توكلت على قلت الهى وسيدى استغفرك من هاتين الحالتين جئتك بالافتقار اليك فقال عند ذلك قبلناك فهذه حال العارفين بالله تعالى وفوا عهودهم فى طلبه فجعلهم الله امناء لاسراره.
واعلم ان الخيانة على انواع فالفرائض والسنن اعمال ائتمن الله تعالى عليها عباده ليحافظوا على ادائها فى اوقاتها برعاية حدودها وحقوقها فمن ضيعها فقدخان الله تعالى فيها. والوجود وما يتبعه من الاعضاء والقوى امانات والاهل والاولاد والاموال امانات والاماء والعبيد وسائر الخدم امانات والسلطنة والوزارة والامارة والقضاء والفتوى وما يلحقها امانات وفى الحديث
"من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو اولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين" : قال السعدى قدس سره

كسى راكه باخواجه تست جنك بد ستش جرا ميدهى جوب وسنك
سك آخر كه باشدكه خوانش نهند بفرماى تا استخوانش دهند

وفى الحديث "انا ثالث الشريكين ما لم يخن احدهما صاحبه فاذا خان خرجت من بينهما وجاء الشيطان" ففى كل ذلك يلزم العبد ان يكون امينا غير خائن والا فقد تعرض لسخط الله تعالى ونعوذ بالله منه.
قال ابن عباس رضى الله عنهما كلب امير خير من صاحب خاءن.
وكان للحارث بن صعصعة ندماء لا يفارقهم وكان شديد المحبة لهم فخرج فى بعض منتزهاته ومعه ندماؤه فتخلف منهم واحد فدخل على زوجته فاكلا وشربا ثم اضطجعا فوثب الكلب عليهما فلما رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الامر فانشد يقول

وما زال يرعى ذمتى ويحوطنى ويحفظ عرشى والخليل يخون
فيا عجبا للخل تحليل حرمتى ويا عجبا للكلب كيف يصون

والاشارة فى الآية { يا أيها الذين آمنوا } اى يا أيها الارواح والقلوب المنورة بنور الايمان المستعدة بسعادات العرفان { لا تخونوا الله } فيما آتاكم من المواهب فتجعلوها شبكة الدنيا واصطياد اهلها { والرسول } يترك السنة والقيام بالبدعة { وتخونوا أماناتكم } فالامانة هى محبة الله وخيانتها تبديلها بمحبة المخلوقات يشير الى ارباب القلوب واصحاب السلوك اذا بلغوا الى اعلى مراتب الطاعات والقربات ثم التفتوا الى شيء من الدنيا وزينتها وخانوا الله بنوع من التصنع وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع بتعدى الخيانة وآفاتها الى الامانة التى هى المحبة فتسلب منهم بالتدريج فيكون لهم ركونهم الى الدنيا وسكونهم الى جمع الاموال حرصا علىالاولاد { وأنتم تعلمون } انكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالاولى { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم } التى تعرضون عن الله لها { فتنة } يختبركم الله بها لكى يتميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق فمن اعرض عن الدنيا وما فيها من صدق فى طلب المولى { وأَن الله عنده أجر عظيم } فمن ترك ما عنده فى طلب ما عند الله يجده عنده او ان الله عنده اجر عظيم والعظيم هو الله فى الحقيقة فيجد الله تعالى كذلك فى التأويلات النجمية