خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٢٨
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ لقد جاءكم } يحتمل ان يكون الخطاب للعرب والعجم جميعا. فالمعنى بالله قد جاءكم ايها الناس { رسول } اى رسول عظيم الشان والرسول انسان بعثه الله تعالى الى الخلق لتبليغ الاحكام { من أنفسكم } اى من جنسكم آدمى مثلكم لا من الملائكة ولا من غيرهم وذلك لئلا يتنفروا ويمتنعوا من متابعته ويقولوا لا طاقة لنا بمتابعته لانه ليس من جنسنا يؤيده قوله تعالى { { قل انما انا بشر مثلكم } } [الكهف: 110].
وقوله تعالى
{ { لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم } [آل عمران: 164].
اذ لفظ المؤمنين عام لكل مؤمن من كل صنف فيكون معنى من انفسهم اى من جنسهم لان الملك وكذا الجن لعدم جنسيته ولكونه غير مدرك بالحواس الخمس لا ينتفع به فاحتاج الى واسطة جنسية ذى جهتين جهة التجرد لتمكن الاستفاضة من جانب القدس وجهة التعلق لتمكن الافاضة الى جانب الخلق وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه يظهر انه لكمال لطافته يمكن ان يستفيض منه الجن ايضا لكونهم اجساما لطيفة ولذا دعاهم دعوة البشر

مشعله افروزشب خاكيان سمع سرا برده افلا كيان

ويحتمل ان يكون الخطاب للعرب خاصة. فالمعنى بالله قد جاءكم ايتها العرب رسول عربى مثلكم وعلى لغتكم وذلك اقرب الى الالفة وابعد من اللجاجة واسرع الى فهم الحجة فان الارشاد لا يحصل الا بمعرفة اللسان -حكى- ان اربعة نفر عجمى وعربى وتركى ورومى وجدوا فى طريق درهما فاختلفوا فيه ولم يعرف ولم يفهم واحد منهم مراد الآخر فسأل منهم رجل آخر يعرف الالسنة فقال للعربى ايش تريد وللعجمى [جه ميخواهى] مثلا وعلم ان مراد الكل ان يأخذوا بذلك الدرهم عنبا فاخذ العارف الدرهم منهم واشترى لهم عنبا فارتفع الخلاف من بينهم. وقرئ من انفسكم بفتح الفاء اى من اشرفكم وافضلكم من النفاسة وبالفارسية [عزيز شدن] وشيء نفيس اى خطير وذلك لان محمدا صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب وفى كلاب يجتمع نسب ابيه وامه لان امه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وبنوا هاشم افضل القبائل الى اسماعيل عليه السلام من جهة الخصال الحميدة وكلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر واجمع النسابون على ان قريشا انما تفرقت عن فهر فهو جماع قريش وانما سمى فهر قريشا لانه كان يقرش اى يفتش عن حاجة المحتاج فيسدها بماله وكان بنوه يقرشون اهل الموسم عن حوائجهم فيرفدونهم فسموا بذلك قريشا والرفادة طعام الحاج ايام الموسم حتى يتفرقوا فان قريشا كانت على زمن قصى تخرج من اموالها فى كل موسم شيئاً فتدفعه الى قصى فيصنع به طعاما للحاج ياكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد حتى قام بها ولده عبد مناف ثم بعد عبد مناف ولده هاشم ثم بعد هاشم ولده عبد المطلب ثم ولده ابو طالب وقيل ولده العباس ثم استمر ذلك الى زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلفاء بعده ثم استمر ذلك فى الخلفاء الى ان انقرضت الخلافة من بغداد ثم من مصر وعن انس بن مالك رضى الله عنه "حب قريش ايمان وبغضهم كفر"
. وفى الحديث "عالم قريش يملأ طباق الارض علما"
. وعن الامام احمدرحمه الله هذا العالم هو الشافعى لانه لم ينتشر فى طباق الارض من علم علماء قريش من الصحابة وغيرهم ما انتشر من علم الامام الشافعى ويجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وهو الجد التاسع للشافعىرحمه الله وفى الحديث "انا انفسكم نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح"
. وذلك لأنه لا يجيء من الزنى ولى فكيف بى والاشارة فيه الى نفاسة جوهره فى اصل الخلقة لانه اول جوهر خلقه الله تعالى وعن ابى هريرة "انه عليه السلام سال جبريل عليه السلام فقال يا جبريل كم عمرك من السنين فقال يا رسول الله لست اعلم غير ان فى الحجاب الرابع نجما يطلع كل سبعين الف سنة مرة رأيته اثنين وسبعين الف مرة فقال عليه السلام يا جبريل وعزة ربى انا ذلك الكوكب" .
ولما خلق الله آدم جعل نور حبيبه فى ظهره فكان يلمع فى جبينه ثم انتقل الى ولده شيث الذى هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكرا وانثى معا ولم تلد ولدا منفردا الا شيث كرامة لهذا النور ثم انتقل الى واحد بعد واحد من اولاده الى ان وصل الى عبد المطلب ثم الى ابنه عبد الله ثم الى آمنة وكان عليه السلام علة غائية لوجود كل كون فوجوده الشريف وعنصره اللطيف افضل الموجودات الكونية وروحه المطهر امثل الارواح القدسية وقبيلته افضل القبائل ولسانه خير الالسنة وكتابه خير الكتب الالهية وآله واصحابه خير الآل وخير الاصحاب وزمان ولادته خير الازمان وروضته المنورة اعلى الاماكن مطلقا والماء الذى نبع من اصابعه الشريفة افضل المياه مطلقا ثم بعده الافضل ماء زمزم لانه غسل منه صدره عليه السلام ليلة المعراج ولو كان ماء افضل منه يغسل به صدره عليه السلام. ثم ان فى قوله { لقد جاءكم } اشارة الى انه صلى الله عليه وسلم هدية عظيمة من الله تعالى وتحفة جسيمة ولا يعرض عن هدية الله تعالى الا الكافرون والمنافقون: قال حضرة الشيخ العطار قدس سره

خويشتن راخواجه عرصات كفت انما انا رحمة مهداة كفت

{ عزيز عليه ما عنتم } العزيز الغالب الشديد وكلمة ما مصدرية والعنت الوقوع فى امر شاق واشق الامور دخول النار والجملة من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر صفة رسول. والمعنى شديد عليه عنتكم اى ما يلحقكم من المشقة والألم يترك الايمان فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب وهذا من نتائج ما سلف من المجانسة.
قال الكاشفى [وبعضى برلفظ عزيز وقف كرده اند وآنرا صفة رسول دانند ومعنى عليه ما عنتم برين فرود آرندكه براست آنجه بكنيد ازكناه يعنى اعتذار آن برويست در روز قيامت بشفاعت تدارك آن خواهد نمود ودرين معنى كفته اند]

نماند بعصيان كسى دركرو كه دارد جنين سيدى بيش رو
اكر دفترت ازكنه باك نيست جو او عذر خواهت بودباك نيست

{ حريص عليكم } اى على ايمانكم وصلاح احوالكم اذ من البين انه عليه السلام ليس حريصا على ذواتهم والحرص شدة الطلب للشيء مع اجتهاد فيه كما فى تفسير الحدادى { بالمؤمنين } متعلق بقوله { رؤوف رحيم } قدم الابلغ منهما وهو الرؤف لان الرأفة شدة الرحمة مع ان مقام المدح يقتضى الترقى من الفاضل الى الافضل محافظة على الفواصل وقدم بالمؤمنين على متعلقه وهو رؤف ليفيد الاختصاص اى لا رأفة ولا رحمة الا بالمؤمنين واما الكفار فليس له عليهم رأفة ولا رحمة.
قال فى التأويلات النجمية { بالمؤمنين رؤف رحيم } لتربيتهم فى الدين المتين بالرفق كما قال عليه السلام
"ان هذا الدين متين فاوغلوا فيه بالرفق وبالرحمة يعفو عن سيآتهم"
. كما امره الله تعالى بقوله { { فاعف عنهم واصفح } [المائدة: 13].
وفى قوله
{ { ان الله بالناس لرءوف رحيم } } [البقرة: 143].
دقيقة لطيفة شريفة وهى ان النبى صلى الله عليه وسلم لما كان مخلوقا كانت رأفته ورحمته مخلوقة فصارت مخصوصة بالمؤمنين لضعف الخلقة وان الله تعالى لما كان خالقا كانت رأفته ورحمته قديمة فكانت عامة للناس لقوة خالقيته كما قال
{ { ورحمتى وسعت كل شيء } [الأعراف: 156].
فمن تداركته الرافة والرحمة الخالقية من الناس قابلا للرأفة والرحمة النبوية لانها كانت من نتائج الرأفة والرحمة الخالقية كما قال
{ { فبما رحمة من الله لنت لهم } [آل عمران: 159] انتهى كلام التأويلات.
قال بعض الحكماء ان الله تعالى خلق محمدا اى روحه وجعل له صورة روحانية كهيئته فى الدنيا فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء واذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الاخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة ألا ترى انه تفل فى بئر رومة فى المدينة وكان ماؤها زعاقا فصار عذبا ولما اكمله بهذه الصفات ارسله الى هذه الامة -روى-
"انه لما مات ابو طالب ونالت قريش من النبى عليه السلام ما لم تكن نالته منه فى حياته خرج الى الطائف وهو مكروب مشوش الخاطر مما لقى من قريش من قرابته وعترته خصوصا من عمه ابى لهب وزوجته ام جميل حمالة الحطب من الهجو والسب والتكذيب يقولون له انت الذى جعلت الآلهة الها واحدا فجعل ابو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول أتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وكان خروجه فى شوال سنة عشرة من النبوة وحده وقيل معه مولاه زيد بن حارثة رضى الله عنه يلتمس من ثقيف الاسلام رجاء ان يسلموا وان يناصروه على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه وكان ثقيف اخواله عليه السلام فلما انتهى الى الطائف عمد الى اشراف ثقيف وكانوا اخوة ثلاثة فجلس اليهم وكلمهم فيما جاءهم به فقال احدهم هو يقطع ثياب الكعبة ولا يسرقها وقال آخر ما وجد الله احدا يرسله غيرك وقال له الثالث والله لا اكلمك ابدا لئن كنت رسولا من عند الله كما تقول لانت اعظم خطرا اى قدرا من ان ارد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى ان اكلمك فقام عليه السلام من عندهم مأيوسا وقال لهم اكتموا على وكره ان يبلغ قومه ذلك فيشتد امرهم عليه وقالوا له عليه السلام اخرج من بلدنا وسلطوا عليه سفهاءهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وقعدوا له صفين على طريقه فلما مر عليه السلام بين الصفين دقوا رجليه بالحجارة حتى ادموهما وشجوا رأس زيد فلما خلص ورجلاه يسيلان دما عمد الى بستان فاستظل فى شجرة كرم ودعا بقوله اللهم انى اشكو اليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس يا ارحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربى الى من تكلنى ان لم يكن لك غضب على فلا ابالى ثم انطلق عليه السلام وهو مهموم حتى اتى بقرن الثعالب وهو ميقات اهل نجد او اليمن وبينه وبين مكة يوم وليلة فارسل الله تعالى جبريل ومعه ملك الجبال فقال ان شئت اطبقت على ثقيف هذين الجبلين فقال عليه السلام (بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله تعالى لا يشرك به شيئاً) وعند ذلك قال له عليه السلام ملك الجبالة انت كما سماك ربك رؤف رحيم" : وفى المثنوى

بندكان حق رحيم وبر دبار خوى حق دارنددر اصلاح كار[1]
مهربان بى رشوتان يارى كران در مقام سخت ودر روز كران
اى سليمان درميان زاغ وباز حلم حق شو باهمه مرغان بساز[2]
اى دوصد بلقيس حلمت رازبون كه اهد قومى انهم لا يعلمون
صد هزاران كيميا حق آفريد كيميائى همجو صبر آدم نديد[3]

نسأل الله سبحانه ان يلحقنا باهل الحلم والكرم ويزكينا من سوء الاخلاق والشيم