خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ
١٨
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ إنما يعمر مساجد الله } شامل للمسجد الحرام وغيره { من آمن بالله } وحده والايمان بالرسول داخل فى الايمان بالله لما علم من تقارنهما وعدم انفكاك احدهما عن الآخر فى مثل الشهادة والاذان والاقامة { واليوم الآخر } بما فيه من البعث والحساب والجزاء { واقام الصلوة } مع الجماعة واكثر المشايخ على انها واجبة وفى الحديث "صلاة الرجل فى جماعة تضعف على صلاته فى بيته وفى سوقه خمسا وعشرين ضعفا" والجماعة فى التراويح أفضل وكل ما شرع فيه الجماعة فالمسجد فيه افضل فثواب المصلين فى البيت بالجماعة دون ثواب المصلين فى المسجد بالجماعة { وآتى الزكوة } اى الصدقة المفروضة عن طيب نفس وقرن الزكاة بالصلاة فى الذكر لما ان احداهما لا تقبل الا بالاخرى اى انما تستقيم عمارتها ممن جمع هذه الكمالات العلمية والعملية { ولم يخش } فى امور الدين { الا الله } فعمل بموجب امره ونهيه غير آخذ له فى الله لومة لائم ولا خشية ظالم فيندرج فيه عدم الخشية عند القتال ونحو ذلك. واما الخوف الجبلى من الامور المخوفة كالظلمة والسباع المهلكة والدواهى العظيمة فهو لا يقدح فى الخشية من الله اذ الخشية من الله ارادة ناشئة من تصور عظمة الله واحاطة علمه بجميع المعلومات وكمال قدرته على مجازاة الاعمال مطلقا وهذا الخوف الجبلى لا يدخل تحت القصد والارادة { فعسى اولئك } [بس آن كروه شايد] { أن يكونوا من المهتدين } الى مباغيهم من الجنة وما فيها من فنون المطالب العلية وابرازاهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية فى معرض التوقع لقطع اطماع الكفرة عن الوصول الى مواقف الاهتداء والانتفاع باعمالهم التى يحسبون انهم لها محسنون ولتوبيخهم بقطعهم بانهم مهتدون فان المؤمنين مع ما بهم من هذه الكمالات اذا كان امرهم دائرا بن لعل وعسى فما بال الكفرة وهم هم واعمالهم اعمالهم

جايى كه شير مردان در معرض عتابند روباه سير تانرا آنجا جه تاب باشد

[وديكر منع مؤمنانست ازاغترار باعمال خويش وبران اعتماد نمودن] كما قال الحدادى كلمة عسى من الله واجبة والفائدة فى ذكرها فى آخر هذه الآية ليكون الانسان على حذر من فعل ما يحبط ثواب عمله [كه هر كه بعمل مغروست از فيض ازل مهجورست]

مباش غره بعلم وعمل كه شد ابليس بدين سبب زدر باركاه عزت دور

واعلم ان عمارة المساجد تعم انواعا منها البناء وتجديد ما انهدم منها وفى الحديث "سبع يجرى للعبد اجرهن وهو فى قبره بعد موته من تعلم علما او كرى نهرا او حفر بئرا او غرس نخلا او بنى مسجدا او ورث مصحفا او ترك ولدا يستغفر له بعد موته" وفى الحديث "من بنى مسجدا لله تعالى اعطاه الله بكل شبر او بكل ذراع اربعين الف الف مدينة من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ولؤلؤ فى الجنة فى كل مدينة الف الف بيت فى كل بيت الف الف سرير على كل سرير زوجة من الحور العين فى كل بيت اربعون الف مائدة على كل مائدة اربعون الف قصعة فى كل قصعة اربعون الف الف لون من طعام ويعطى الله له من القوة حتى يأتى على تلك الازواج وعلى ذلك الطعام والشراب" ذكره الزندوستى فى الروضة. فان خرب المسجد وتعطل او خربت المحلة ولا يصلى فيه احد صار المسجد ميراثا لورثة البانى عند محمد. وقال ابو يوسف هو على حاله مسجد وان تعطل ولو ارادوا ان يجعلوا المسجد مستغلا والمستغل مسجدا لم يجز.
يقول الفقير من الناس من جعل المسجد اصطبل الدواب او مطمورة الغلة او نحوه وكذا الكتاب ونحوه من محال العلم والعبادات وقد شاهدناه فى ديار الروم والعياذ بالله تعالى.
قال على رضى الله عنه ست من المروءة ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر. فاما اللاتى فى الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مسجد الله واتخاذ الاخوان فى الله. واما اللاتى فى السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فى غير معاصى الله ذكره الخطيب فى الروضة.
ومنها قمها اى كنسها وتنظيفها.
قال الحسن مهور الحور العين كنس المساجد وعمارتها وفى الحديث
"نظفوا افنيتكم ولا تتشبهوا باليهود وبجمع الاكباء " اي الكناسات فى دورها وفى الحديث "غسل الانا وطهارة الفنا يورثان الغنى" فاذا كان الامر فى طهارة الفناء وهو فناء البت والد كان ونحوهما هكذا فما ظنك فى تنظيف المسجد والكتاب ونحوهما.
ومنها تزيينها بالفرش.
قال بعضهم اول من فرش الحصير فى المساجد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصى وهو بالفارسية [سنك ريزه] اى فى زمنه صلى الله عليه وسلم وذلك ان المطر جاء ذات ليلة فاصبحت الارض مبتلة فجعل الرجل يأتى بالحصباء فى ثوبه فيبسطها تحته ليصلى عليها فلما قضى رسول الله الصلاة قال ما احسن هذا البساط ثم امر ان يحصب جميع المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى الله عنه.
وفى الاحياء اكثر معروفات هذه الاعصار منكرات فى عصر الصحابة اذ من عد المعروف فى زماننا من فرش المساجد بالبسط الرقيقة وقد كان يعد فرش البوارى فى المسجد بدعة كانوا لا يرون ان يكون بينهم وبين الارض حائل انتهى.
قال الفقهاء يستحب له ان يصلى على الارض بلا حائل او ما تنبته كالحصير والبوريا لانه اقرب الى التواضع وفيه خروج عن خلاف الامام مالك فان عنده يكره السجود على ما ليس من جنس الارض ولا بأس بان يصلى على اللبود وسائر الفرش اذا كان المفروش رقيقا بحيث يجد الساجد تمكن من الارض وقد روى انه عليه السلام سجد على فروة مدبوغة ولا بأس بتبييض المسجد بالجص او بالتراب الابيض -ذكر- ان الوليد بن عبد الملك انفق على عمارة مسجد دمشق فى تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات -وروى- ان سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ فى تزيينه حتى نصب الكبريت الاحمر على رأس القبة وكان ذلك اعز ما يوجد فى ذلك الوقت وكان يضيئ من ميل وكانت الغزالات يغزلن فى ضوئه من مسافة اثنى عشر ميلا وكان على حاله حتى خربه بخت نصر ونقل جميع ما فيه من الذهب والفضة والجواهر والآنية الى ارض بابل وحمل مائة الف وسبعين عجلة.
ومنها تعليق القناديل فى المساجد واسراج المصابيح والشموع وفى الحديث
"من علق قنديلا صلى عليه سبعون الف ملك حتى ينكسر ذلك القنديل" كما فى الكشف وقال انس رضى الله عنه من اسرج فى مسجد سراجا ولم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام فى ذلك المسجد ضوؤه. وكان سليمان عليه السلام امر باتخاذ الف وسبعمائة قنديل من الذهب فى سلاسل الفضة. "ذكر ان مسجد النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا جاءت العتمة يوقد فيه سعف النخل فلما قدم تميم الدارى المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد واوقدت فقال صلى الله عليه وسلم نورت مسجدنا نور الله عليك اما والله لو كان لى بنت لانكحتها هذا" وفى كلام بعضهم اول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الافعال تعليق القناديل فيها يعنى المساجد واول من فعل ذلك عمر بن الخطاب فانه لما جمع الناس على ابى بن كعب رضى الله عنه فى صلاة التراويح علق القناديل فلما رأها على كرم الله وجهه تزهر قال نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الدارى. وعن بعضهم قال امرنا المأمون ان اكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم ادرما اكتب لانه شيء لم اسبق اليه فاريت فى المنام اكتب فان اليه انسا للمتهجدين ونفيا لبيوت الله عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك.
قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوقود ينبغى ان يكون ذلك كتزيين المساجد ونقشها وقد كره بعضهم والله اعلم الكل من انسان العيون فى سيرة النبى المأمون.
قال الشيخ عبد الغنى النابلسى فى كشف النور عن اصحاب القبور ما خلاصته ان البدعة الحسنة الموافقة لمقصود الشرع تسمى سنة فبناء القباب على قبور العلماء والاولياء والصلحاء ووضع الستور والعمائم والثياب على قبورهم امر جائز اذا كان القصد بذلك التعظيم فى اعين العامة حتى لا يحتقروا صاحب هذا القبر وكذا يقاد القناديل والشمع عند قبور الاولياء والصلحاء من باب التعظيم والاجلال ايضا للاولياء فالمقصد فيها مقصد حسن. ونذر الزيت والشمع للاولياء يوقد عند قبورهم تعظيما لهم ومحبة فيهم جائز ايضا لا ينبغى النهى عنه.
ومنها الدخول والقعود فيها والمكث والعبادة والذكر ودراسة العلوم ونحو ذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما ألا ادلكم على ما هو خير لكم من الجهاد قالوا بلى قال ان تبنوا مسجدا فيتعلم فيه القرآن والفقه فى الدين او السنة كما فى الاسرار المحمدية.
ومنها صيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"الحديث فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش" ويقال حديث الدنيا فى المسجد وفى مجلس العلم وعند الميت وفى المقابر وعند الاذان وعند تلاوة القرآن يحبط ثواب عمل ثلاثين سنة وفى الحديث "قال الله تعالى ان بيوتى فى ارضى المساجد وان زوارى فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر فى بيته ثم زارنى فى بيتى" فحق على المزور ان يكرم زائره.
قال الامام القشيرى قدس سره عمارة المساجد التى هى مواقف العبودية لا تتأتى الا بتخريب اوطان البشرية فالعابد يعمر المسجد بتخريب اوطان شهوته والزاهد يعمره بتخريب اوطان ملاحظته ولكل منهم صنف مخصوص وكذلك رتبهم بالايمان مختلفة فايمان من حيث البرهان وايمان من حيث البيان وايمان من حيث العيان وشتان ما بينهم انتهى كلامه نسأل الله الغفار ان يجعلنا من العمار والزوار