خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاذا انسلخ } اى انقضى استعير له من الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده { الاشهر الحرم } وانفصلت عما كانت مشتملة عليه ساترة له انفصال الجلد عن الشاة وانكشفت عنه انكشاف الحجاب عما وراءه وتحقيقه ان الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمال الجلد للحيوان وكذا كل جزء من اجزائه الممتدة من الايام والشهور والسنين فاذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه ووصفت الاشهر بالحرم وهى جمع حرام لان الله تعالى حرم فيها القتال وهى شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التى ابيح للناكثين ان يسيحوا فيها لا الاشهر الدائرة فى كل سنة وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لان نظم الاية يقتضى توالى الاشهر المذكورة وهذه ليست كذلك لان ثلاثة منها سرد وواحد فرد { فاقتلوا المشركين } الناكثين ابد الآباد.
فهذه الآية ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الاعراض عن المشركين والصبر على ايذائهم على وفق ما اجمع عليه جمهور العلماء { حيث وجدتموهم } ادركتموهم فى حل او حرم { وخذوهم } اى ائسروهم والاخيذ الاسير { واحصروهم } الحصر المنع والمراد اما حبسهم ومنعهم عن التبسط والتقلب فى البلاد او منعهم عن المسجد الحرام { واقعدوا لهم كل مرصد } اى كل ممر ومجتاز يجتازون منه فى اسفارهم وانتاصبه على انه ظرف لاقعدوا اى ارصدوهم فى كل مكان يرصد فيه وارقبوهم حتى لا يمروا به وهذا امر لتضييق السبيل عليهم فليس معناه حقيقة القعود.
قال الكاشفى { بسته كردانيد برايشان راهها تا منتشر نشوند در بلاد وقرى] { فان تابوا } عن الشرك بالايمان حسبما اضطروا بما ذكر من القتل والاسر والحصر { واقاموا الصلوة وآتوا الزكوة } تصديقا لتوبتهم وايمانهم واكتفى بذكرهما عن بقية العبادات لكونهما رئيسى العبادات البدنية والمالية { فخلوا سبيلهم } فدعوهم وشأنهم لا تتعرضوا لهم بشئ مما ذكر.
قال القاضى فى تفسيره فيه دليل على ان تاركى الصلاة ومانعى الزكاة لا يخلى سبيلهم انتهى.
وعن ابى حنيفةرحمه الله ان من ترك الصلاة ثلاثة ايام فقد استحق القتل.
قال الفقهاء الكافر اذا اكره على الاسلام فأجرى كلمة الاسلام على لسانه يكون مسلما فاذا عاد الى الكفر لا يقتل ويجبر على الاسلام كما فى هدية المهديين للمولى اخى جلبى.
وفيه ايضا كافر لم يقر بالاسلام الا انه اذا صلى مع المسلمين بجماعة يحكم باسلامه وبلا جماعة لا وان صام او حج او ادى الزكاة لا يحكم باسلامه فى ظاهر الرواية وفى اخرى انه ان حج على وجه الذى يفعله المسلمون فى الاتيان بجميع الاحكام والتلبية وشهود كل المناسك يصير مسلما { ان الله غفور رحيم } تعليل للامر بتخلية السبيل اى فخلوهم فان الله يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر لان الايمان يجب ما قبله اى يقطعه كالحج ويثيبهم بايمانهم وطاعتهم.
واعلم ان الله تعالى امر فى هذه الآية بالجهاد وهو اربعة انواع. جهاد الاولياء بالقلب بتحليته بالاخلاق الحميدة. وجهاد الزهاد بالنفس بتزكيتها عن الاوصاف الرذيلة. وجهاد العلماء باظهار الحق خصوصا عند سلطان جائر وامام ظالم. وجهاد الغزاة ببذل الروح

بهر روز مرك اين دم مرده باش تاشوى باعشق سرمد خواجه تاش[1]
كشته ومرده به بيشت اى قمر به كه شاه زند كان جاى دكر
[2]

فالقتل اما قتل النفوس المشركة بالسيف الظاهر واما قتل النفوس العاصية بالسيف الباطن وقتلها فى نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها.
قيل للحسين بن على رضى الله عنهما أى الجهاد افضل قال مجاهدتك هواك.
ووصى رجل ولده فقال يا بنى اعص هواك والنساء واصنع ما شئت وقوله تعالى { حيث وجدتموهم } يشير الى قتلها فى الطاعة والمعصية فقتلها فى الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها وفطامها عن مشاربها فيها واعجابها وتخليصها اياها: قال فى القصيدة الشهيرة بالبردة

وراعها وهى فى الاعمال سائمة وان هى استحلت المرعى فلا تسم

اى راع النفس فى اشتغالها بالاعمال عما هو مفسد ومنقص للكمال من الرياء والعجب والغفلة والضلال وان عدت النفس بعض التطوعات حلواواعتادت به والفته فاجتهد فى ان تقطع نفسك عنه واشتغل بما هو اشق عليها لان اعتبار العبادة انما هو بامتيازها من العادة { فان تابوا } ورجعوا الى الله اى رجعت النفوس عن هواها الى طلب الحق تعالى { واقاموا الصلاة } وداومت على العبودية والتوجه الى الحق { واتوا الزكوة } اى تزكت عن اوصافها الذميمة { فخلوا سبيلهم } عن مقاساة الشدائد بالرياضات والمجاهدات ليعلموا بالشريعة بعد الوصول الى الحقيقة فان النهاية هى الرجوع الى البداية كما فى التأويلات النجمية.
يقول الفقير ظهر من هذا ان السالك وان بلغ الى غاية المراتب ونهاية المطالب فهو متقيد فى اطلاقه بمرتبة الشريعة والعمل باحكامها بحيث لو انخلع عن الاحكام والآداب كان ملحدا سيئ الادب مطرودا عن الباب مهجورا عن حريم قرب رب الارباب فالشريعة الشريفة محك لكل سالك مبتدئ ولكل واصل منتهى يظهر بها صدق الطلب وخدمة الشكر.
وفى الكتب الكلامية ولا يصل العبد ما دام عاقلا بالغا الى حيث يسقط الامر والنهى لعموم الخطابات الواردة فى التكاليف واجماع المجتهدين على ذلك اللهم اجعلنا من المتقيدين بوثاق عبوديتك والمراعين لحقوق ربوبيتك