خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٧٣
-التوبة

روح البيان في تفسير القرآن

{ يا أيها النبى } اعلم ان الله تعالى خاطب الانبياء عليهم السلام باسمائهم الشريفة مثل يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى وخاطب نبينا صلى الله تعالى وسلم بالالقاب الشريفة مثل يا ايها النبى ويا ايها الرسول وذلك يدل على علو جنابه عليه السلام مع ان كثرة الالقاب والاسماء تدل على شرف المسمى ايضا.
قال ابو الليث فى آخر سورة النور عند قوله تعالى
{ { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } [النور: 63] اى لا تدعوا محمدا صلى الله عليه وسلم باسمه ولكن وقروه وعظموه فقولوا يا رسول الله ويا نبى الله ويا ابا القاسم.
وفى الآية بيان توقير معلم الخير فامر الله تعالى بتوقيره وتعظيمه. وفيه معرفة حق الاستاذ. وفيه معرفة حق اهل الفضل ا هـ.
اقول ولذا يطلق على اهل الارشاد عند ذكرهم الفاظ دالة على تعظيمهم على أى لغة كانت لانه اذا ورد النهى عن التصريح باسماء الآبا الصورية لكونه سوء ادب فما ظنك بتصريح اسماء الآباء المعنوية: والمعنى يا ايها المبلغ عن الله والمخبر أو يا صاحب علو المكانة والزلفى لان لفظ النبى ينبئ عن الانباء والارتفاع { جاهد الكفار } اى المجاهرين منهم بالسيف والجهاد عبارة عن بذل الجهد فى صرف المبطلين عن المنكر وارشادهم الى الحق (والمنافقين) بالحجة واقامة الحدود فانهم كانوا كثيرى التعاطى للاسباب الموجبة للحدود ولا تجوز المحاربة معهم بالسيف لان شريعتنا تحكم بالظاهر وهم يظهرون الاسلام وينكرون الكفر { واغلظ عليهم } اى على الفريقين جميعا فى ذلك واعنف بهم ولا ترفق

هست نرمى آفت جان سمور وزدرشتى ميبردجان خاربشت

قال عطاء نسخت هذه الآية كل شيء من العفو والصفح لان كل وقت حكما { ومأويهم جهنم } جملة مستأنفة لبيان آجر امرهم اثر بيان عاجله { وبئس المصير } اى بئس الموضع موضعهم الذى يصيرون اليه ويرجعون. والفرق بين المرجع والمصير ان المصير يجب ان يخالف الحالة الاولى ولا كذلك المرجع وفى الحديث "اوصيك بتقوى الله فانها رأس امرك" يعنى اصل الطاعة وهو الخوف من الله تعالى فان المرء لا يميل الى الطاعة ولا يرغب عن المعصية الا بالتقوى فاذا غرس شجرة التقوى فى القلب تميل اطراف الانسان الى جانب الحسنات ولا يقدم على ارتكاب السيآت "وعليك بالجهاد فانه رهبانية امتى" الرهبانية الخصال المنسوبة الى الرهبان من التعبد فى الصوامع والغيران وترك اكل اللحم والطيبات ولبس الخلل من الثياب فقد افاد النبى عليه السلام ان الثواب الذى يحصل للامم السالفة بالرهبانية يحصل لهذه الامة المرحومة بالغزو وان لم يترهبوا بل رب آكل ما يشتهيه خير من صائم نبت حب الدنيا فيه: قال السعدى قدس سره

خورنده كه خيرى برآيد ردست به از صائم الدهر دنيا برست

قال الاوزاعى خمس كان عليها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لزوم الجماعة وابتاع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد فى سبيل الله وفى الحديث "افضل رجال امتى الذين يجاهدون فى سبيل الله وافضل نساء امتى اللاتى لا يخرجن من البيوت الا لامر لا بد لهن منه"
. وفى الحديث "اتقوا اذى المجاهدين فى سبيل الله فان الله تعالى يغضب لهم كما يغصب للرسل ويستجيب لهم كما يستجيب للرسل"
. وفى الحديث "اذا اخذتم اذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم"
. دل هذا على ان ترك الجهاد والاعراض عنه والسكون الى الدنيا خروج من الدين وكفى بهذا اثما وذنبا مبينا.
وفى الآية اشارة الى القلب الذى نبأ من مقام الانبياء يأمره بالجهاد مع كفار النفس وصفاتها وهذا مقام المشايخ يجاهدون مع نفوسهم او نفوس مريدهم كما قال عليه السلام
"الشيخ فى قومه كالنبى فى امته" .
: قال فى المثنوى

كفت بيغمبركه شيخى رفته ببش جون نبى باشدميان قوم خويش

فامر بالجهاد مع كافر النفس وصفاتها بسيف الصدق فجهاد النفوس بمنعها عن شهواتها واستعمالها فى عمل الشريعة على خلاف الطبيعة والنفوس بعضها كفار لم يسلموا اى لم يستسلموا للمشايخ فى تربيتها فجهادها بالدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبعضها منافقون وهم الذين ادعوا الارادة والاستسلام للمشايخ فى الظاهر ولم يعرفوا بما عاهدوا عليه فجهادها بالزامها مقاساة شدائد الرياضات فى التزكية على قانونها ممتثلة اوامر الشيخ ونواهيه ولو يرى عليها الاباء والامتناع فلا ينفعها الا التشديد والغلظة كما قال تعالى { واغلظ عليهم } فالواجب ان يبالغ فى خالفتها ومؤاخذتها فى احكام الطريقة فان فاءت الى امر الله فهو المراد والا استوجبت لما خلقت له { ومأواهم جهنم } اى مرجعهم جهنم البعد ونار القطيعة وبئس البصير مرجعهم كذا فى التأويلات النجمية.
فعلى السالك ان يجاهد مع هواه اولا فان السلطان يلزم عليه ان يحارب البغاة الذين فى مملكته ثم الذين وراءهم من الكفار نسأل الله تعالى ان يقوينا وينصرنا على القوم الكافرين اياما كانوا