خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ
٣٧
وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ
٣٨
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٣٩
-هود

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { وأوحي إلى نوح انه لم يؤمن من قومك } بعد هذا { إلا من قد آمن } قبل، وكان هذا الوحي بعد ان مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى: فكان الرجل منهم يأتيه بابنه، ويقول: يا بُني لا تصدق هذا الشيخ، فهكذا عَهد إليَّ أبي وجَدّي. فلما نزل الوحي وأيس من إيمانهم دعا عليهم. وقال له تعالى: { { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26]. قال له تعالى: { فلا تبْتئسْ }: تحزن وتغتم { بما كانوا يفعلون } من التكذيب والإيذاء، أقنطه أولاً من إيمانهم، ونهاه أن يغتم لأجلهم.
ثم أمره بصنع السفينة، فقال: { واصنع الفلكَ بأعيُننا }؛ بحفظنا ورعايتنا، أو بمرأى منا ومسمع غير محتاج إلى آلة حفظ وحرس، { ووحينَا } إليك، كيف تصنعها، رُوي أنه لما جهل صنعها أوحى الله إليه: أن اصنعها على مثال جُؤجؤ الطائر. وروي أيضاً: انها كانت مريعة الشكل، طويلة في السماء، ضيقة الأعلى، وأن المراد منها إنما كان الحفظ، لا سرعة المشي، والأول أرجح: أعني: على صورة ظهر الطائر. قال في الأساس: عملت سفينة نوح عليه السلام من ساج، وهو خشب أسود، رزان، لا تكاد الأرض تبليه، من الهند. هـ. وفي رواية أخرى: صنعها نوح عليه السلام، وجبريل يصف له، فكان أسفلها كأسفل السفن وأعلاها كالسقف، وداخلها كالبيت، ولها أبواب في جوانبها. هـ.
ثم إن نوحاً عليه السلام لما تحقق هلاك قومه، رق عليهم، فَهَمَّ ان يُراجع الله في شأنهم، فقال له تعالى: { ولا تخاطبني }؛ ولا تراجعني { في الذين ظلموا }، ولا تدع باستدفاع العذاب عنهم؛ { إنهم مُغرقون }: محكوم عليهم بالغرق لا محالة. فلا سبيل إلى كفه.
{ ويصنعُ الفلكَ }، حكي ما وقع بصيغة الحال؛ استحضاراً لتلك الحال العجيبة، { وكلمَّا مرَّ عليه ملأٌ }: جماعة { من قومه سَخرُوا منه }: استهزؤوا به: لأنه كان يعمل السفينة في برية بعيدة من الماء. أو أن عزته تنفي صنعته، فكان يضحكون منه، ويقولون له: صرت نجاراً بعد أن كنت نبياً. { قال } لهم: { إنْ تسخروا منا فإنا نسخرُ منكم كما تسخرون }، فنسخر منكم حين يأخذكم في الدنيا الغرق، وفي الآخرة الحرق. { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يُخزيه }، وهو: الغرق، والحرق بعده. { ويَحِلُّ } أي: ينزل { عليه عذاب مقيمٌ }: دائم، وهو النار يوم القيامة.
الإشارة: إذا تحقق الولي بإعراض الخلق عنه، وأيس منهم أن يتبعوه، فلا يحزن، ولا يغتم منهم، ففي الله غنى عن كل شيء، وليس يُغني عنه شيء. وفي إعراض الخلق راحة لقلب الولي ولبدنه، فإذا سخروا منه فليقل في نفسه: إن تسخروا منا اليوم، فنسخر منكم حين تحقق الحقائق، فيرتفع المقربون، وينسفل الباطلون، وكان شيخ أشياخنا سيدي علي العمراني رضي الله عنه كثيراً ما يقول: ليت القيامة قامت، حتى يظهر الرجال من غيرهم. أو ما هذا معناه.
ثم ذكر مبدأ الطوفان، فقال: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ }.