خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
١٨٨
-البقرة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: أصل الإدلاء: إرسالُ الدَّلْو في الماء ليتوصل به إلى أخذ الماء من البئر، ثم أُطلق في كل ما يتوسل به إلى شيء، يقال: أدلَى بمالِه إلى الحكام، أي: دفعه رِشْوة، ليتوصل بذلك إلى أخذ أكثر منه، وهو المراد هنا، وفي القاموس: أدلى برَحمِه: توسَّل، وبحُجَّتِه: أحضرَها، وإليه بمالهِ: دفَعه. ومنه: { وتُدْلوا بها إلى الحكام }. هـ. و { تدلوا } معطوف على { تأكلوا }، مَنْهِي عنهما معاً.
يقوله الحقّ جلّ جلاله: { ولا تأكلوا } يا معشر المسلمين { أموالكم } أي: أموال بعضكم بعضاً، { بالباطل } أي: بغير حقّ شرعي؛ إما بغير حق أصلاً كالغضْب والسرقة والخيانة والخَدْع والتطفيف والغش وغير ذلك. أو بحق باطل كما يؤخذ في السحر والكهانة والفأل والقِمار والجاه، وهَدِية المِدْيان، وهدية القرض، والضمان، والرشوة، والربا، وغير ذلك مما نهى الشارعُ عنه. ولا يدخل في ذلك التمائم والعزائم إذا كان بالقرآن أو السنّة وغلَب الشفاء، وكذلك لا يدخل أيضاً الغَبْن، إذا كان البائعُ عالماً بالمَبِيع.
أو { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } بأن تُنفقوها في المَلاهي والزنا والشرب واللواط، وغير ذلك من المحرمات، ولا { تدلوا } أي: تتوسلوا بها، أي: بدفعها { إلى الحكام } رشوة { لتأكلوا فريقاً من أموال الناس } بأن يحكم لكم بها القاضي، تأخذونها متلبسين { بالإثم } أي: بالمعصية { وأنتم تعلمون } أنها لغيركم؛ فإنَّ حُكْمَ الحاكِم لا يُحِلُّ حراماً.
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال:
"إنَّما أنا بَشرٌ مثلُكُم، ولعلَّ بعضَكُمْ أن يكون الْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعضٍ فأقضي لهُ، فمن قَضَيتُ له بشيء من مال أخِيهِ فإنَّما لهُ قِطعةٌ من النارِ" .
الإشارة: الباطلُ كلُّ ما سوى الحقّ، فكل من كان يأخذ من يد الخلق ولا يشاهد فيهم الحقّ فإنما يأخذ أموال الناس بالباطل. قال في الحِكَم: "لا تَمُدَّن يديك إلى الأخذ من الخلائق إلا أن تَرى أن المعطيَ فيهم مولاك، فإذا كنت كذلك فخُذْ ما وافقك العلم". ويحتاج العامل بهذا إلى عَسةٍ كبيرةٍ، وشُهودٍ قَوِي، حتى يَفْنَى عَنْ نظرهِ مشاهدةُ الخلق في شهود الملك الحق. وكان بعضهم يطلب مَنْ هذا وصْفُه فيعطي للفقير العطاء، ويقول: خذ، لا لك، فلا يسمع من أحد شيئاً، حتى أعطَى لبعض الفقراء، وقال: خذ، لا لك، فقال: أقبضُ لا منك. هـ. قلت: الوصول إلى الحكام على شأن الدنيا أو للانتصار للنفس حرام في طريق الخصوص، بل يصبر حتى يحكم الله بينه وبين خصمه، وهو خير الحاكمين، فإن اضطُرَّ إلى شيء ولم يجد بُدّاً منه فليُوكِّلْ، وبالله التوفيق.