خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٩٥
حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ
٩٦
وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
٩٧
-الأنبياء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { حرام }: مبتدأ، وفيه لغتان: حرام وحِرْم، كحلال وحِلّ. و { أنهم... } الخ: خبر، أو فاعل سد مسده، على مذهب الكوفيين والأخفش. والجملة: تقرير لقوله: { كُلٌّ إلينا راجعون }، و { لا } نافية، أي: ممتنع على قرية أهلكناها عدمُ رجوعهم إلينا بالبعث، بل كل إلينا راجعون. وقيل: { لا } زائدة، والتقدير: ممتنع رجوع قرية أردنا إهلاكها عن غيهم، { فإنهم }: على هذا: فاعل بحرام. قاله القصار. و { حتى }: ابتدائية، غاية لما يدل عليه ما قبلها، أي: يستمرون على ما هم عليه من الهلاك، حتى إذا قامت القيامة يرجعون إلينا، ويقولون: { يا ويلنا }. وقال أبو البقاء: { حتى }: متعلقة في المعنى بحرام، أي: يستقر الامتناع، أي: هذا الوقت. و { فإذا هي }: جواب { إذا }. وفي الأزهري: وقد يجمع بين الفاء وإذا الفجائية؛ تأكيدًا، خلافًا لمن منع ذلك. قال تعالى: { فإذا هي شاخصة }، فإنه لو قيل: إذا هي، أو فهي شاخصة لصح. هـ. وقيل: { يا ويلنا }: على حذف القول، أي: إذا فتحت قالوا: يا ويلهم. و { اقترب }: عطف على فُتحت.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { وحرامٌ } أي: ممتنع { على } أهل { قريةٍ أهلكناها }؛ قدرنا هلاكها، أو حكمنا بإهلاكها؛ لعتوهم، { إنهم إلينا لا يَرجعون } بالبعث والحشر، بل لا بد من بعثهم وحشرهم وجزائهم على أعمالهم. وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع للكل؛ لقوله: { كُلٌ إلينا راجعون }؛ لأنهم المنكِرون للبعث والرجوع دون غيرهم. وقيل: المعنى: وممتنع على قرية، أردنا إهلاكها، رجوعهم إلى التوبة، أو ممتنع على قرية، أهلكناها بالفعل، رجوعهم إلى الدنيا. وفيه رد على مذهب القائلين بالرجعة من الروافض وأهل التناسخ، على أن "لا" صلة. وقُرئ بالكسر، على أنه تعليل لما قبله، فحرام، على هذا، خبر عن مبتدأ محذوف، أي: ذلك العمل الصالح حرام على قرية أردنا إهلاكها؛ لأنهم لا يرجعون عن غيرهم.
وقال الزجاج: المعنى: وحرام على قرية، أردنا إهلاكها، أن يُتَقَبَّلَ منهم عمل؛ لأنهم لا يرجعون، أي: لا يتوبون، ويجوز حمل المفتوحة على هذا بحذف اللام، ويستمرون على ما هم عليه من الهلاك، أو: فليستمر امتناعهم من الرجوع.
{ حتى إذا فُتحت يأجوجُ ومأجوج } ونُفخ في الصور، وقامت القيامة، فيرجعون، ولا ينفعهم الرجوع. ويأجوج ومأجوج قبيلتان، يقال: الناس عشرة أجزاء، تسعة منها يأجوج ومأجوج. والمراد بفتحها: فتح سدها، على حذف مضاف؛ أي: حتى إذا فُتح سد يأجوج ومأجوج، { وهم } أي: يأجوج ومأجوج، وقيل: الناس بعد البعث، { من كل حَدَبٍ } أي: نشز ومرتفع من الأرض، { يَنسِلُونَ }: يسرعون، وأصل النسل: مقاربة الخطو مع الإسراع. ويدل على عَود الضمير ليأجوج ومأجوج: قوله - عليه الصلاة والسلام -:
"ويفتح ردم يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس، كما قال الله تعالى: { من كل حدب ينسلون... }" الحديث، ويؤيد إعادتَه على الناس قراءة مجاهد: "من كل جدث"؛ بالجيم، وهو القبر.
ثم قال تعالى: { واقتربَ الوعدُ الحقُّ } أي: ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب، { فإِذا هي شاخصةٌ } أي: فإذا القصة أو الشأن، وهو { أبصارُ الذين كفروا } شاخصة، أي: مرتفعة الأجفان، لا تكاد تطرق من شدة الهول، حال كونهم يقولون: { يا ويلنا }؛ يا هلكتنا، هذا أوانك، فاحضري، { قد كُنَّا في غفلةٍ } تامة { من هذا } الذي دهَمنا؛ من البعث، والرجوع إليه تعالى، للجزاء، ولم تعلم، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنُذر، أنه حق، { بل كنا ظالمين } بتلك الآيات والنذر، مُكذبين بها، أو ظالمين أنفسنا؛ بتعريضها للعذاب المخلد. وهو إضراب عما قبله، من وصف أنفسهم بالغفلة، أي: لم نكن غافلين عنه، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنذر، بل كنا ظالمين بتكذيبهم، والله تعالى أعلم.
تذييل: رَوى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أول الآية: الدَّجال، ونزول عيسى، ونار تخرج من قرن عدن، تسوق النار إلى المحشر - أي الشام - تقيل معهم إذا قالوا، والدُّخان، والدَّابة، ثم يأجوج ومأجوج" . قلت: وبعد موت يأجوج ومأجوج، تبقى مدة عيسى عليه السلام، في أَمَنَةٍ ورَغَدِ عَيْشٍ. قيل: سبع سنين، وقيل: أربعون. ثم يُقبض عيسى، ويُدفن في روضته صلى الله عليه وسلم، ثم تهب ريح تقبض المؤمنين، فلا يبقى من يقول الله الله، قيل: مائة سنة، وقيل: أقل، ثم تخرب الكعبة، ثم يُنفخ في الصور للصعق، واقترب الوعد الحق. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الحضرة محرمة على قلبٍ خراب، أهلكه الله بالوساوس والخواطر، وفتحت عليه من الشواغل والشواغب والخواطر يأجوج ومأجوج، فأفسدته وخربته وجعلته مزبلة للشياطين. فحرام عليه رجوعه إلى الحضرة حتى يتطهر من هذه الوساوس والخواطر، ومن الشواغل والعلائق. قال بعض الصوفية: (حضرة القدوس محرمة على أهل النفوس). فإذا اقترب وعد الحق، وهو أجل موته، قال: يا ويلنا إنا كنا عن هذا غافلين، لم نتأهب للقاء رب العالمين، حتى لقيتُه بقلب سقيم. والعياذ بالله.
ثمَّ ذكر قال الكفرة إذا وقع الوعد الحق