خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥١
وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون
٥٢
-النور

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (قول): خَبَرُ "كَانَ"؛ مُقَدَّمٌ، و(أن يقولوا): اسمها؛ مؤخر، وقرأ الحسن: بالرفع؛ على الاسمية، والأول: أرجح؛ صنَاعةً، والثاني: أظهر؛ دلالة، وأكثر إفادة. انظر أبا السعود.
يقول الحق جل جلاله: { إِنما كان قَوْلَ المؤمنين } الصادر عنهم { إذا دُعُوا إلى الله ورسولِه ليحكم } الرسولُ صلى الله عليه وسلم { بينهم } وبين خصومهم، سواء كانوا منهم أو من غيرهم، { أن يقولوا سمعنا } قوله، { وأطعنا } أمره، { وأولئك هم المفلحون }؛ الفائزون بكل مطلب، الناجون من كل مهرب. والإشارة إلى المؤمنين باعتبار صدور القول المذكور عنهم، وما فيه من البُعد، للإشعار بعلو رتبتهم، وبُعد منزلتهم في الفضل، أي: أولئك المنعوتون بتلك النعوت الجميلة هم الفائزون بكل مطلوب.
{ ومن يُطع الله ورسولَه }، هذا استئناف جيء به لتقرير ما قبله من حسن حال المؤمنين، وترغيب مَن عَدَاهم في الانتظام في سلكهم، أي: ومن يُطع الله ورسوله، كائناً من كان، فيما أمَرَا به من الأحكام الشرعية اللازمة والمتعدية، وقيل: من يطع الله في فرائضه، ورسولَهُ في سننه. { ويَخْشَ الله } على ما مضى من ذنوبه، { ويتَّقه } فيما يستقبل من عمره، { فأولئك } الموصوفون بما ذكر؛ من الطاعة والخشية، والاتقاء، { هم الفائزون } بالنعيم المقيم، لاَ مَنْ عَدَاهُم.
وعن بعض الملوك: أنه سأل عن آية كافية، فتُليت عليه هذه الآية. وهي جامعة لأسباب الفوز. قال القرطبي: ذكر أسلم: أن عمر بينما هو قائم في مسجده صلى الله عليه وسلم فإذا رجل من دهاقين الروم قائم على رأسه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال له عمر: ما شأنك؟ قال: أسلمت، قال: ألهذا سبب؟ قال: نعم؛ إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل، وكثيراً من كتب الأنبياء، فسمعت أسيراً يقرأ آية من القرآن، جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة، فعلمت أنه من عند الله، فأسلمت. قال: ما هذه الآية؟ قال قوله تعالى: { ومن يُطع الله } في الفرائض، { ورسولَه } في السنن، { ويَخْشَ الله } فيما مضى من عمره، { ويتَّقه } فيما بقي، { فاولئك هم الفائزون }؛ والفائز: من نجا من النار واُدْخِل الجنة، فقال عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أُعطيتُ جوامع الكلم" . هـ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: إنما كان قول المؤمنين الكاملين، الطالبين الوصول إلى حضرة رب العالمين، إذا دُعوا إلى حضرة الله ورسوله؛ ليحكم بينهم وبين نفوسهم التي حجبتهم حتى يغيبوا عنها، أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، ويدخلوا تحت تربية المشايخ، فإذا أمروهم أو نهوهم، قالوا: سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون الفائزون بالوصول إلى الله تعالى.
ومن يطع الله في أمره ونهيه، ورسوله في سنَّـته، وما رغَّب فيه، ويخش الله أن يعاتبه، أو يؤدبه, ويتقه, أي: يجعل وقاية بينه وبيْن ما يحجبه أو يبعده عنه, فأولئك هم الفائزون الظافرون بمعرفة الله على نعت الشهود والعيان. وبالله التوفيق.
ثم رجع إلى تتمة القسم الأول، حاكيا بعض جنايتهم، فقال: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ... }