خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً
٦١
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
٦٢
-الفرقان

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { تبارك } أي: تعاظم { الذي جعل في السماء بُروجاً } وهي البروج الاثنا عشر: الحَمَل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. وهي منازل الكواكب السبعة السيارة، لكل كوكب بيتان، يقوي حاله فيهما، وللشمس بيت، وللقمر بيت، فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زُحل. وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع ليصيب كل واحدة منها ثلاثة بروج، فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية. سميت بالبروج التي هي القصور العالية؛ لأنها، لهذه الكواكب، كالمنازل الرفيعة لسكانها. واعتبر بزيادة ابحر عند زيادة القمر ونقصه عند نقصه، فإن بيت القمر - وهو السرطان - مائي، وذلك من إمداد الأسماء لا بالطبع. وتذكر: "وبالاسم الذي وضعته على الليل فَأَظْلَمَ..." إلخ. قاله في الحاشية.
واشتقاق البروج من التبرج، الذي هو الظهور؛ لظهورها، ولذلك قال الحسن وقتادة ومجاهد: البروج: النجوم الكبار؛ لظُهورها.
{ وجعل فيها سِرَاجاً } أي: الشمس، لقوله تعالى:
{ { وَجَعَلَ اْلشَّمْسَ سِرَاجاً } [نوح: 16]. وقرأ الأَخَوَان: "سُرُجاً". ويراد: النجوم الكبار والشمس، { وقمراً منيراً } أي: مضيئاً بالليل.
{ وهو الذي جعل اليللَ والنهارَ خِلْفةً } أي: ذو خلفة؛ يخلف كل واحد منهما الآخر، بأن يقوم مقامه، فيما ينبغي أن يعمل فيه، فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر. قال قتادة: فأروا الله تعالى من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار، فإنهما مطيتان تقحمان الناس إلى آجالهم، تقربان كل بعيد، وتبليان كل جديد، وتجيئان بكل موعود.
وقال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: فاتتني الصلاةُ الليلةَ، فقال: أدرِكْ ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة { لمن أراد أن يذَّكَّر }. هـ. أي: يتذكر آلاء الله - عز وجل -، ويتفكر في بدائع صنعه فيعلم أنه لا بد له من صانع حكيم. وقرأ حمزة وخلف: "يَذْكُرَ" أي: يذكر الله في قضاء ما فاته في أحدهما، { أو أراد شكوراً } أي: شكر نعمة ربه عليه فيهما، فيجتهد في عمارتهما بالطاعة؛ شكراً. وبالله التوفيق.
الإشارة: تبارك الذي جعل في سماء القلوب أو الأرواح بروجاً؛ منازل ينزلها السائر، ثم يرحل عنها، وهي مقامات اليقين؛ كالخوف، والرجاء، والورع، والزهد، والصبر، والشكر، والرضا، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة، والمعاينة. وجعل فيها سراجاً، أي: شمس العرفان لأهل الإحسان، وقمراً منيراً، وهو توحيد البرهان لأهل الإيمان. وهو الذي جعل ليل القبض ونهار البسط خِلْفةً، يخلف أحدهما الآخر، لمن أراد أن يذكر في ليل القبض، ويشكر في نهار البسط. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر أهل الذكر والشكر، فقال: { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ... }