خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
-القصص

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (رزقاً): حال من (الثمرات)؛ لتخصيصه بالإضافة، أو مصدر لتجبى؛ لأن معناه: نرزق، أو: مفعول له.
يقول الحق جل جلاله: { وقالوا } أي: كفار قريش { إن نتبع الهُدَى } وندخل { معك } في هذا الدين؛ { نُتَخَطّفُ من أرضنا } أي: تخطفنا العرب وتُخرجنا من أرضنا.
نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نحن نعلم أنك على الحق، ولكنا نخاف، إن اتبعناك وخالفنا العرب، وإنما نحن أكَلَةُ رأس، أَنْ يتخطفونا من أرضنا، فردّ الله عليهم بقوله: { أوَ لَمْ نُمكِّنْ لهم حَرَماً آمناً }؛ أَوَ لَمْ نجعل مكانهم حرماً ذا آمن بحرمة البيت، يأمن فيه قُطانه، ومن التجأ إليه من غيرهم؛ فَأَنَّى يستقيم أن نعرضهم للتخطف، ونسلبهم الأمن، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام؟.
{ تُجْبَى إليه }، أي: تُجمع وتُجلب إليه من كل أَوْب، { ثمراتُ كل شيء } أي: كل صنف ونوع. ومعنى الكُلِّيَّةِ: الكثرة؛ كقوله:
{ { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [النمل: 23]، { رزقاً من لدُنَّا }، ونعمة من عندنا، وإذا كان حالهم، وهم عبدة الأصنام، فكيف إذا أووا إلى كهف الإسلام، وتدرعوا بلباس التوحيد؟
{ ولكن أكثرهم لا يعلمون } أي: جهلة، لا يتفطنون ولا يتفكرون حتى يعلموا أنه لا يهملهم من حفظه ورعايته، إن أسلموا. وقيل: يتعلق بقوله: { من لدُنَّا }، أي: قليل منهم يتدبرون، فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله؛ وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك, ولو علموا أنه من عند الله؛ لعلموا أن الخوف والأمن من عند الله، ولَمَا خافوا التخطف إذا آمنوا به. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ترى كثيراً من الناس، ممن أراد الله حرمانه من الخصوصية، يتعلل بهذه العلل الواهية، يقول: إن دخلنا في طريق القوم؛ رفضَنا الناس، وأنكر علينا أقاربنا، ونخاف الضيعة على أولادنا. يقول تعالى لهم: أو لم أُمَكِّن لأوليائي، المتوجهين إلى حَضْرَةِ القدس، حرماً آمناً تُجبى لأهلها الأرزاق من كل جانب، بلا حرص ولا طمع ولا سبب، ولكن أكثر الناس؛ جهالاً بهذا، وقفوا مع العوائد، فحُرموا الفوائد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم خوّفهم بقوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ... }