خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ
٧١
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ
٧٢
وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٧٣
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٧٤
وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٧٥
-القصص

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (سرمداً): مفعول ثان لجعل، وهو من السرد، أي: التتابع، ومنه قولهم في الأشهر الحرم: ثلاثة سرد وواحد فرد، والميم زائدة، فوزنه: فعْمَل.
يقول الحق جل جلاله: { قل أرأيتم }؛ أخبروني { إن جعل الله عليكم الليلَ سرمداً }؛ دائماً؛ بإسكان الشمس تحت الأرض، أو بتحريكها حول الأفق الخارج عن كورة الأرض، أو بإخفاء نورها، { مَنْ إلهٌ غيرُ اللهِ يأتيكم بضياءٍ }، وحقه: هل إله غير الله، وعبّر بـ "مَن" على زعمهم أن غيره آلهة، أي: هل يقدر أحد على هذا؟ { أفلا تسمعون } سماع تدبر واستبصار؟.
{ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهارَ سرمداً إلي يوم القيامة } بإسكانها في وسط السماء، أو: بتحريكها فوق الأفق فقط، { مَنْ إِلهٌ غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه }؛ استراحة من متاعب الأشغال؟ ولم يقل: بنهارتتصرفون فيه، كما قال: { بليل تسكنون فيه }، بل ذكر الضياء، وهو ضوء الشمس؛ لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة، وليس هو التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس هو بتلك المنزلة، ومن ثم قرن بالضياء. { أفلا تسمعون }؛ لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر، من ذكر منافعه، ووصف فوائده، وقرن بالليل { أفلا تُبصرون }؛ لأن غيرك يُبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه.
{ ومن رحمته } تعالى { جَعَلَ لكم الليلَ والنهارَ لتسْكُنُوا فيه }؛ في الليل { ولِتَبْتَغوا من فضله } بالنهار بأنواع المكاسب. وهو من باب اللف والنشر. وقال الزجاج: يجوز أن يكون معناه: لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من الله فيهما، ويكون المعنى: جعل لكم الزمان ليلاً ونهاراً؛ لتسكنوا فيه، ولتبتغوا من فضله، { ولعلكم تشكرون } أي: ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها.
ثم قَرَّعهم على الإشراك، بعد هذا البيان التام، بقوله: { ويومَ يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } وكرر التوبيخ على الشرك، ليؤذن ألاَّ شيء أجلبُ لغضب الله تعالى من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده. وقال القرطبي: أعاد هذا؛ لاختلاف الحالين، ينادون مرة، فيدعون الأصنام فلا تستجيب لهم، فيظهر كذبهم. ثم ينادون مرة أخرى فيسكنون، وهو توبيخ وزيادة خزي. ثم طرق كون المناداة من الله، أو ممن يأمره بذلك، لقوله:
{ { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 174]، ويحتمل: ولا يكلمهم بعد قوله: { { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108] أو: ولا يكلمهم كلام رضا. هـ.
{ ونزعنا }؛ وأخرجنا { من كل أُمةٍ شهيداً }، وهو نبيهم، يشهد عليهم بما كانوا عليه؛ لأن الأنبياء شهداء على أممهم، { فقلنا } للأمم: { هاتوا برهانكم } على صحة ما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسول، { فعلموا } حينئذٍ { إن الحق لله } في الألوهية، لا يشاركه فيها غيره، { وضل عنهم }؛ غاب غيبة الشيء الضائع { ما كانوا يَفترون } من ألوهية غير الله وشفاعة أصنامهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: دوام ليل القبض يمحق البشرية، ودوام نهار البسط يُطغي النفس، وتخالفهما على المريد رحمة، وإخراجه عنهما عناية، وفي الحكم: "بسطِك كي لا يتركك مع القبض، وقبضك كي لا يتركك مع البسط، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه". وقال فارس رضي الله عنه: القبض أولاُ، ثم البسط، ثم لا قبض ولا بسط، لأن القبض والبسط يقعان في الوجود وأما مع الفناء والبقاء فلا. هـ.
ولما قال الله تعالى: { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا }؛ ذكر من متَّعه بها وغرته، فقال: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ... }