خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ
٩
-العنكبوت

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: "وصى" حُكمه حُكْمُ "أَمَرَ"، يقال وصيت زيداً بان يفعل خيراً، كما تقول: أمرته بأن يفعل خيراً، ومنه: { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } [البقرة: 132]، أي: أمرهم بكلمة التوحيد ووصاهم عليها.
يقول الحق جل جلاله: { ووصينا الإنسانَ بوالديه }؛ أمرناه بإيتاء والديه { حُسْناً } أي: فعلاً ذا حُسْنٍ، أو: ما هو في ذاته حُسن، لفرط حسنه، كقوله:
{ { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [البقرة: 83] أو: وصينا الإنسان بتعاهد والديه، وقلنا له: أحسن بهما حسناً، أو أوْلِهِمَا حُسْناً. { وإِن جاهداك } أي: حملاك بالمجاهدة والجد { لتُشرك بي ما ليس لك به علم } أي: لا علم لك بالإلهية، والمراد نَفْيُ العلم نَفْيُ المعلوم، وكأنه قيل: لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً، وقيل: ما ليس لك به حجة؛ لأنها طريق العلم، فهو قوله: { { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [المؤمنون: 117]، بل هو باطل عقلاً ونقلاً، { فلا تُطعمها } في ذلك؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
{ إليّ مرجعُكُم }، من آمن منكم ومن أشرك، { فأُنبئُكم بما كنتم تعملون }؛ فأُجازيكم حق جزائكم. وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك، وحث على الثبات والاستقامة في الدين. رُوي أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم، نذرت أمه ألا تأكل ولا تشرب حتى يرتد، فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية والتي في لقمان
{ { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } [لقمان: 15].
{ والذين آمنوا }؛ ثبتوا على الإيمان { وعملوا الصالحات لنُدخِلنّهم في الصالحين } أي: في جملتهم، والصلاح مِن أبلغ صفة المؤمنين، وهو متمني الأنبياء، فقال سليمان عليه السلام:
{ { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [النمل: 19]. وقال يوسف عليه السلام: { { تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [يوسف: 101] أو: في مدخل الصالحين، وهو الجنة.
الإشارة: قد وصى الله تعالى بطاعة الوالدين في كل شيء، إلا في شأن التوحيد والتخلص من الشرك الجلي والخفي، فإن ظهر شيخ التربية ومنع الوالدان ولدَهما من صحبته، ليتطهر من شركه، فلا يُطعمها، وسيأتي في لقمان دليل ذلك، إن شاء الله. وبالله التوفيق.
ثم ذكر شأن من امتُحِنَ فَافْتُضِحَ، فقال: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ... }