خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٣
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٢٤
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٢٥
-آل عمران

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: التنكير في { نصيب }؛ يحتمل التحقير والتعظيم، والأول أقرب. وجملة: { وهم معرضون }؛ حال من { فريق }؛ يتخصيصه بالصفة.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { ألم تر } يا محمد، أو مَنْ تصح منه الرؤية، { إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } وهم: اليهود، تمسكوا بشيء من التوارة، ولم يعملوا به كلّه، كيف { يدعون إلى كتاب الله } القرآن { ليحكم بينهم } فيما اختلفوا فيه من أمر التوحيد وصحة نبوته - عليه الصلاة والسلام -، فأعرضوا عنه، أو المراد بكتاب الله: التوراة. قال ابن عباس رضي الله عنه: (دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم على جماعة من اليهود، فَدَعاهُمْ إلى الله تعالى، فقال نُعَيْمُ بْنُ عَمِرْو والحَارِثُ بَنْ زَيْد: على أيِّ دين أنْتَ يا مُحَمَّدُ؟ قال:
"على مِلَّةِ إبْرَاهِيم" قالا: إنَّ إبرَاهِيم كان يَهُودِيّاً، فقال لهما النبيّ صلى الله عليه وسلم: "فَهَلمُّوا إلى التَّوراةِ فهي بَيْنَنَا وبينكم" فأبَيا عليه، فنزلت الآية). وقيل: نزلت في الرجم، على ما يأتي في العقود.
{ ذلك } الأعراض بسبب اغترارهم وتسهيلهم أمر العقاب، فقالوا: { لن تسمنا النار إلا أياماً معدودات }؛ أربعين يوماً، قدر عبادتهم العجل، ثم يَخْلفهم المسلمون، { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } بزعمهم الفاسد وطمعهم الفارغ.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه }، وهذا تهويل لشأنهم، واستعظام لما يحيق بهم، { ووفيت كل نفس ما كسبت } من خير أو شر، { وهم لا يظلمون } أي: لا يبخسون من أعمالهم شيئاً، فلا ينقص من الحسنات، ولا يزاد على السيئات. وفيه دليل على أن المؤمن لا يخلد في النار. قال ابن عباس: (أولُ رايةٍ تُرفع لأهل الموقف، ذلك اليوم، رايةُ اليهود، فيفضحُم اللّهُ تعالى على رؤوس الأشهاد، ثم يؤمر بهم إلى النار).
الإشارة: ترى كثيراً ممن ينتسب إلى العلم والدين ينطلق لسانه بدعوى الخصوصية، وأنه منخرط في سلك المقربين، فإذا دُعي إلى حق، أو وقف على عيب من عيوب نفسه، أعرض وتولى، وغرته نفسه، وغلبه الهوى، فجعل يحتج لنفسه بما عنده من العلم أو الدين، أو بمن ينتسب إليهم من الصالحين، فكيف يكون حاله إذا أقبل على الله بقلب سقيم، ورأى منازل أهل الصفا، الذين لقوا الله بقلب سليم، حين ترفع درجاتهم مع المقربين، ويبقى هو مع عوام أهل اليمين؟ قال تعالى:
{ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } [الزُّمَر: 47] الآية.