خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
٢٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
-الروم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { وله من في السماوات والأرض }؛ ملكاً ومُلكاً، { كل له قانتون } أي: مطيعون، كلُّ لما أراد، لا يستطيع التغيرَ عن ذلك. أو مُقرّون بالعبودية، أو: قائمون بالشهادة على وحدانيته. { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يُعيده } أي: يُنشئهم ثم يعيدهم للبعث، { وهو } أي: البعث { أهونُ }؛ أيسر { عليه } عندكم؛ لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء، فلِمَ أنكرتم الإعادة، مع إقراركم بأن الإنشاء منه تعالى؟ وقال الزجاج وغيره: أهون بمعنى "هيّن"؛ كقوله: { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [النساء: 30]، كما قالوا: أكبر، بمعنى كبير. والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هُوّنت بالقياس إلى الإنشاء؛ إذ هو أهون عند الخلق من الإنشاء؛ لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نُطفاً، ثم عُلقاً، ثم مضغاً، إلى تكميل خلقهم. قاله النسفي.
{ وله المَثَلُ الأعلى في السماوات والأرض } أي: الوصف الأعلى، الذي ليس لغيره، وقد عُرف به، ووُصف في السموات والأرض، على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاءٍ وإعادة، وغيرهما من المقدورات، { وهو العزيزُ } أي: القاهر لكل مقدور، { الحكيم } الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه. وعن ابن عباس: المثل الأعلى هو:
{ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. وعن مجاهد: هو قول: "لا إله إلا الله". ومعناه: وله الوصف الأرفع، وهو اختصاصه بالألوهية في العالم العلوي والسفلي، ويعضده: ما بعده مِنْ ضرب المثل. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الاشياء كلها، من عرشها إلى فرشها، حيها وجامدها، قانتة وساجدة لله تعالى، من حيث حِسُّها الذي هو مَقَر العبودية، وغنية عن السجود من حيث معناها؛ لأنها من أسرار الربوبية. فالعبد، من حيثُ حِسُّها الذي هو مَقَر العبودية، وغنية عن السجود من حيث معناها؛ لأنها من أسرار الربوبية. فالعبد، من حيثُ فرقه، عبد خاضع، ومن حيث جمعه: حُر مُطاع.
قال القشيري: قوله: { وهو أهون عليه } أي: في ظنِّكم وتقديركم. وفي الحقيقة السهولة والوعورة على الحق لا تجوز. { وله المثل الأعلى } والصفات العلى في الوجود بحق القِدَم، وفي وجوده - أي: للأشياء - بنعت الكرم، وفي القدرة بوصف الشمول، وفي النظرة بوصف الكمال، وفي العلم بعموم التعلق، وفي الحكْم بوجود التحقق، وفي المشيئة بوصف البلوغ، وفي القضية بحكم النفوذ، وفي الجبروت بعين العز والجلال، وفي الملكوت بنعت الجد والكمال. هـ. قلت: والحاصل ان المثل الأعلى يرجع إلى كمال ذاته، تعالى، وصفاته وأفعاله.
ثم ضرب مثلاً لقبح الشرك، بعد بيان علوّ شأنه، فقال: { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ... }