خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
١٠
هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
١١
-لقمان

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: "بغير عمد": يتعلق بحال محذوفه، أي: مُمْسَكَةً أو مرفوعة بغير عمد، و(عمد): اسم جمع على المشهور، وقيل: جمع عماد أو عامد. وجملة (ترونها): إما استئنافية، لا محل لها، أو صفة لعمد.
يقول الحق جل جلاله: { خلق السماواتِ } ورفعها { بغير عَمَدٍ ترونها }، الضمير: إما للسموات، أي: خلقها، ظاهرة, ترونها، أو لعمد، أي: بغير عمد مرئية بل بعمد خفية، وهي إمساكها بقدرته تعالى. { وألقى في الأرض رواسي } أي: جبالاً ثوابت، كراهة { أن تميد بكم } أي: لئلا تضطرب بكم، { وبثَّ }: نشر { فيها من كل دابةٍ وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوجٍ كريمٍ }؛ صنف من أصناف النبات، { كريم }: حسن بهيج، أو كثير المنفعة. وكأنه استدل بذلك على عزته، التي هي كمال القدرة، وحكمته التي هي كمال العلم، فهي مقررة لقوله: (العزيز الحكيم).
ثم أمر بالتفكر في هذه المصنوعات؛ استدلالاً على توحيده بقوله: { هذا خلقُ الله } أي: هذا الذي تُعاينونه من جملة مخلوقاته، { فأَرُوني ماذا خلقَ الذين من دونه }، يعني: آلهتهم. بكَّتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلق الله، فأروني ماذا خلق آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة؟ { بل الظالمون في ضلال مبين }، أضرب عن تبكيتهم؛ إلى التسجيل عليهم بالظلم والتورط في ضلال ليس بعده ضلال.
الإشارة: خلق سموات الأرواح - وهو عالم الملكوت - مرفوعاً غنياً عن الاحتياج إلى شيء، وألقى في أرض النفوس - وهو عالم الأشباح - من العقول الراسخة، لئلا تميل إلى جهة الانحراف، إما إلى الحقيقة المحضة، أو الشريعة. ونشر في أرض النفوس دواب الخواطَر والوساوس، وأنبتنا فيها من علوم الحكمة والقدرة، من كل صنف بهيج قال القشيري: { وألقى في الأرض رواسي }؛ في الظاهر: الجبال، وفي الحقيقة: الأبدال، الذين هم أوتاد، بهم يقيهم، وبهم يَصرِف عن قريبهم وقاصيهم، { وأنزلنا من السماء ماء.. }؛ المطر من سماء الظاهر في رياض الخُضْرَةَ، ومن سماء الباطن في رياض أهل الدنوِّ والحَضْرَة. هذا خلق الله العزيز في كبريائه، فأروني ماذا خَلَقَ الذين عَبَدْتم من دونه في أرضه وسمائه؟ هـ.
ثم ذكر قصة لقمان الذي وقع السؤال عنه فنزلت السورة، فقال: { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ... }