خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً
٢٠
-الأحزاب

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { يَحْسَبُون } أي: هؤلاء المنافقون { الأحزابَ }، يعني: قريشاً وغطفان، الذين تحزّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: اجتمعوا، أنهم { لم يذهبوا } ولم ينصرفوا؛ لشدة جُبنهم، مع أنهم انصرفوا. { وإن يأتِ الأحزابُ } كرة ثانية؛ { يودُّوا لو أنهم بادون في الأعراب }، والبادون: جمع باد، أي: يتمنى المنافقون - لجُبنهم - أنهم خارجون من المدينة إلى البادية، حاصلون بين الأعراب؛ ليأمنوا على أنفسهم، ويعتزلوا مما فيه الخوف من الحرب، { يسألون } كل قادم منهم من جانب المدينة. وقرئ { يَسَاءلون }، بالشد. أي: يتساءلون، بعضهم بعضاً { عن أنبائكم }؛ عن أخباركم وعما جرى عليكم، { ولو كانوا } أي: هؤلاء المنافقون { فيكم } أي: حاضرون في عسكركم، وَضَرَ قِتَالٌ، { ما قاتلوا إلا قليلاً }؛ رياءً وسمعة، ولو كان لله؛ لكان كثيراً؛ إذ لا يقل عمل لله.
الإشارة: الجبان يخاف والناس آمنون، والشجاع يأمن والناس خائفون، ولا ينال من طريق القوم شيئاً جبانٌ ولا مستحي ولا متكبر. فمن أوصاف الضعفاء: أنهم، إذا نزلت بالقوم شدة أو محنة - كما امْتُحِنَ الجنيد وأصحابه - يتمنون أنهم خارجون عنهم، وربما خرجوا بالفعل، وإن ذهبت شوكتهم؛ يحسبون أنهم لم يذهبوا؛ لشدة جزعهم. ومن أوصافهم: أنهم يكثر سؤالهم عن أخبار القوم، والبحث عما جرى بهم؛ خوفاً وجزعاً، ولو مضوا معهم لم يغنوا شيئاً. والله تعالى أعلم.
ثم ذكرهم من أهل القوة، فقال: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ... }