خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
١١٢
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ
١١٣
-الصافات

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: "نبياً": حال مقدرة من "إسحاق"، ولا بد من تقدير مضاف محذوف، أي: وبشرناه بوجود إسحاق نبيًّا، أي: بأن يُوجد مقدراً نبوته، فالعامل في الحال: الوجود، لا فعل البشارة، قاله الكواشي وغيره.
يقول الحق جلّ جلاله: { وبشَّرناه } أي: إبراهيم { بإِسحاق } بعد امتحانه، { نبياً } أي: يكون نبيّاً. قال قتادة: بشِّره بنبوة إسحاق بعدما امتحنه بذبحه. قالوا: ولا يجوز أن يُبشَّر بنبوته وذبحه معاً؛ لأن الامتحان لا يصح مع كونه عالماً بأن سيكون نبيًّا. هـ. قلت: لا يبعد أن يُبَشَّر بهما معاً قبل المحنة؛ لأن العارف لا يقف مع وعد ولا وعيد؛ لاتساع علمه، فإن الوعد قد يكون متوقفاً على شروط، قد لا يُلم العبد بها، وراجع ما تقدم عند قوله:
{ { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } [يوسف: 110] بالتخفيف، وعند قوله: { { وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً } [الأحزاب: 11]. ثم قال قتادة: وهذه حجة لمَن يقول: إن الذبيح كان إسحاق. ومَن قال: كان إسماعيل الذبيح، قال: بشَّر إبراهيم بولد يكون نبيًّا بعد القصة، لطاعته. هـ. وذكر ابن عطية عن مالك أنه نزع بهذه الآية لكون الذبيح إسماعيل، انظر بقية كلامه. وتقدّم الجواب عنه، فإنَّ الأُولى بولادته، وهو بنبوته. انظر الحاشية.
وقوله: { من الصالحين }: حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء؛ لأن كل نبيّ لا بد أن يكون من الصالحين. قال ابن عرفة: الصلاح مقول بالتشكيك، فصلاح النبي أعظم من صلاح الولي. هـ. { وباركنا عليه وعلى إِسحاقَ } أي: أفضنا عليهم بركات الدين والدنيا. وقيل: باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا من صلبه ألف نبيّ، أولهم يعقوب، وآخرهم عيسى عليه السلام. { ومن ذُريَّتِهما } أي: إبراهيم وإسحاق، وليس لإسماعيل هنا ذكر، استغناء بذكر ترجمته في مريم، { محسنٌ } مؤمن { وظالمٌ لنفسه } بالكفر { مبينٌ } ظاهر كفره. أو: محسن إلى الناس، وظالم لنفسه بتعدِّيه عن حدود الشرع.
وفيه تنبيهٌ على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العِرق والعنصر، فقد يلد البرُّ الفاجرَ، والفاجرُ البرَّ. وهذا مما يهدم الطبائع والعناصر، وتنبيه على أن الظلم في أعقابهما لم يعدْ عليهما بعيب، وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله، ويُعاقب بما كسبتْ يداه، لا على ما وجد من أصله وفرعه. قال النسفي. قلت: قاعدة "العرق نزاع" أغلبية، لا كلية. وقيل: هو حديث، فيكون أغلبيًّا، فالشجرة الطيبة لا تنبت في الغالب إلا الطيب، إلا لعارض، والشجرة الخبيثة لا تجد فروعها إلا مثلها، إلا لسبب. والله تعالى أعلم.
الإشارة: البشارة الكبيرة، والبركة العظيمة، إنما تقع في الغالب بعد الامتحان الكبير، فبقدر الامتحان يكون الامتكان، وبقدر الجلال يعظم الجمال، فإنَّ مع العسر يُسراً. فبقدر الفقر يعقب الغنى، وبقدر الذل يعقب العز، إن كان في جانب الله. وقس على هذا... ويسري ذلك في العقب، كما هو مشاهد في عقب الصالحين والعلماء والأولياء. وبالله التوفيق.
ثم ذكر موسى وهارون، فقال: { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ... }