خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ
٢٥
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
٢٦
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٧
قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ
٢٨
قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٢٩
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ
٣٠
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ
٣١
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ
٣٢
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٣
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
٣٤
-الصافات

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله للملائكة يوم القيامة: { احْشُرُوا الذين ظلموا } أي: اجمعوا الذين كفروا { وأزواجَهم } وأَشباهَهم، فيُحشر عابد الصنم مع عبدة الأصنام، وعابد الكواكب مع عبدتها. أو: نساءهم الكافرات، أو: قرناءهم من الشياطين. و "الواو" بمعنى "مع"، أو: عاطفة. { وما كانوا يعبدون من دون الله } أي: الأصنام، اجمعوها معهم، { فاهْدُوهم إلى صراطِ الجحيم } أي: دُلوهم على طريقها، وعرّفوهم بها. وعن الأصمعي: يقال: هديته في الدين هُدى، وهديته الطريق هداية.
{ وقِفُوهُم }: احبسوهم { إِنهم مسؤولون } عن أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم، { ما لكم لا تَنَاصَرُون } لا ينصر بعضكم بعضاً. وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر، بعدما كانوا يتناصرون في الدنيا، أو: استهزاء بهم. وقيل: هو جواب لأبي جهل، حيث قال يوم بدر:
{ { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } [القمر: 44]، وجملة النفي: حال، أي: ما لكم غير متناصرين، { بل هم اليوم مسْتَسْلِمون } منقادون لِما يُراد بهم؛ لعجزهم؛ وانْسِدَادِ أبواب الحيل عليهم، أو: قد أسلم بعضهم بعضاً وخذله.
{ وأقْبَل بعضُهم على بعضٍ } أي: التابع على المتبوع { يتساءلون } يتخاصمون، ويسأل بعضهم بعضاً سؤال توبيخ وتسخُّط، { قالوا } أي: الأتباع للمتبوعين: { إِنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } أي: تصدوننا عن الحق والإيمان، قاله الحسن. وبيانه: أن العرب كانت تتيمّن بالسانح عن اليمين من الطير، ويناسبه ما ذكره ابن عطية في جملة التأويلات بقوله: ومنها: أن يريد باليمين اليمْن، أي: تأتوننا من جهة النصائح، والعمل الذي يتيمّن به. هـ. قلت: والأحسن: أن يقدر معلق الجار، أي: تأتوننا وتصرفوننا عن طريق أهل اليمين.
{ قالوا } أي: الرؤساء: { بل لم تكونوا مؤمنين } أي: بل أنتم أبيتم الإيمان، وأعرضتم عنه مع تمكُّنكم منه، مختارين للكفر، غير ملجئين إليه، أو: بل أنتم سبقت منكم الضلالة على إغوائنا، وإنما نشأ عن إغوائنا دوام كُفركم لا استئنافه. { وما كان لنا عليكم من سلطانٍ } وقهر، نسلبكم به تمكُّنكم واختياركم، { بل كنتم قوماً طاغين } أي: بل كنتم قوماً مختارين للطغيان، { فحقَّ علينا } أي: لزمنا جميعاً { قولُ ربِّنا إِنا لذائقون } يعني: حقت علينا كلمتُه بأنا ذائقون لعذابه. ولو حكى الوعيد على ما هو لقال: إنكم لذائقون، لكنه عدل به إلى لفظ المتكلم؛ لأنهم يتكلّمون بذلك على أنفسهم. ثم قالوا لضعفائهم: { فأغويناكم } فدعوناكم إلى الغي { إِنا كنا غَاوِينَ } فأردنا إغواءكم لتكونوا مثلنا، { فإِنهم } أي: الأتباع والمتبوعين جميعاً، { في العذاب يومئذٍ مشترِكون } كما كانوا مشتركين في الغواية. { إِنا كذلك نفعل بالمجرمين } المشركين، أي: مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم.
الإشارة: ويقال على طريق العكس: احْشُروا الذين أحسنوا واتقوا ربهم، وأزواجهم، ومَن انتسب إليهم، فاهدوهم إلى طريق الجنان، وقِفوهم يشفعوا فيمن تعلّق بهم، إنهم مسؤولون عن أصحابهم وعشائرهم، حتى يخلصوهم من ورطة الحساب. ما لكم لا تناصرون، فينصر بعضكم بعضاً في هذا الموطن الهائل، بل هم اليوم منقادون لأمر الله، حتى يأذن لهم في الشفاعة. وفي الحديث:
"اتَّخِذُوا يداً عند الفقراءِ، فإن لهم دَوْلَة يومَ القيامة" ودولتهم: الشفاعة فيمن أحبهم وأحسن إليهم. والفقراء هم المتوجهون إلى الله تعالى، حتى وصلوا إلى حضرته، ومَن صَدّ الناسَ عن طريقه وصحبتهم، يتعلّق به المخذول عنهم، فيقول له: { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ... } الآية.