يقول الحق جلّ جلاله: { قُلْ يا قوم اعملوا على مكانَتِكُمْ } أي: على حالتكم التي أنتم عليها، وجهتكم من العداوة التي تمكنتم فيها، فالمكانة بمعنى المكان، فاستعيرت من العين للمعنى، وهي الحال، كما تستعار "هنا". و "حيث" للزمان، وإنما وضعا للمكان. وقرأ أبو بكر وحمَّادِ: "مكانات" بالجمع. { إِني عامل } على مكانتي، فحذف للاختصار، والمبالغةِ في الوعيد، والإشعار بأن حاله لا تزال تزداد قوة بنصر الله تعالى له، وتأييده، ولذلك توعّدهم بقوله: { فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يُخْزِيه }؛ فإنَّ خزي أعدائه دليل غلبته صلى الله عليه وسلم ونصره في الدنيا والآخرة. وقد أخزاهم وعذّبهم يوم بدر، { و } سوف تعلمون أيضاً مَن { يَحِلُّ عليه عذابٌ مقيمٌ } في الآخرة؛ لأنه مقيم على الدوام.
ثم ذكر الفاصل بين أهل العذاب المقيم، والنعيم الدائم، فقال: { إِنا أنزلنا عليك الكتابَ للناسِ } أي: لأجلهم، فمَن أعرض عنه فقد استحقَّ العذاب الأليم، ومَن تمسّك به استوجب النعيم المقيم، حال كونه ملتبساً { بالحق } ناطقاً به، أو: أنزلناه مُحِقين في إنزاله. { فمَن اهتدى فلنفسه }، إنما ينفع به نفسه { ومَن ضلَّ }: بأن أعرض عنه، أو عن العمل به. { فإِنما يَضِلُّ عليها }؛ لأن وبال إضلاله مقصور عليها. { وما أنت عليهم بوكيلٍ } حتى تجبرهم على الهدى، وما وظيفتك إلا التبليغ، وقد بلغت أيّ بلاغ.
الإشارة: مَن ذَكَّر قوماً فأعرضوا عنه، ولم يرفعوا له رأساً، يقول لهم: يا قوم اعملوا على مكانتكم... الخ، وأيّ عذاب أشد من الحجاب، والبُعد عن حضرة الحبيب؟
ثم ذكر دلائل العبث الذي يحلُّ فيه العذاب على أهل الإعراض، فقال: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا }.