البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
قلت: التنوين في "كل": للعوض، و {مما ترك} بيان للمعوض منه، أي: ولكل مال مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي: أي: ورثة، وهم الذرية والعصبة يرثون من ذلك المال، والوالدان على هذا فاعل، ويحتمل أن يكون مبتدأ والتنوين عوض عن الميت الموروث، أي: ولكل ميت جعلنا ورثة يرثون مما ترك ذلك الميت، وهم الوالدان والأقربون فيوقف على {ترك}، و {مما} يتعلق بمحذوف، و {الذين} مبتدأ، و {فآتوهم} خبر، دخلت الفاء لما في المبتدأ من العموم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: ولكل ميت جعلنا وَرَثَة يرثون {مما ترك} ذلك الميت، وهم {الوالدان والأقربون}، أو لكل تركة جعلنا لها {موالي} أي: ورثة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، {والذين عقدت أيمانكم} وهم موالي الحِلف، كانوا يتحالفون في الجاهلية على النصرة والمؤازرة، يقول الرجل لآخر: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك. فيضرب بعضهم على يد الآخر في عقد ذلك الحلف. فلذلك قال: {عقدت أيمانكم} فكان في أول الإسلام يرث من حليفه السدس، وإليه أشار بقوله: {فآتوهم نصيبهم}، ثم نسخ.
وقيل: نزلت في المؤاخاة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فكان يرث السدس، ثم نُسخ بقوله { وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال:75]. وعن أبي حنيفة: لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح وورث. وقال ابن عباس: آتوهم نصيبهم من النصرة التي تعاقدوا عليه، فيُوفي لهم بها، فلا نسخ.
{إن الله كان على كل شيء شهيدًا}، هو تهديد لم تعدى الحدود، ونقض العهود. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ولكل زمان جعلنا أولياء كبراء، يرثون مما ترك أشياخهم من خصوصية الولاية وسر العناية، إلى يوم القيامة؛ فالأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة ويظهر المحجة، فيقال لهم: والذين عقدت أيمانكم في الصحبة معكم، فظهر صدقهم، وبانت خدمتهم، فآتوهم نصيبهم مما خصكم الله به من سر الولاية ولطف العناية، {إن الله كان على كل شيء شهيدًا}، لا يخفى عليه من يستحق الخلافة ويرث سرَ الولاية. والله تعالى أعلم.