خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
٥٩
-النساء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

أعاد العامل في قوله: { وأطيعوا الرسول }، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يُعده في { أولى الأمر } إشارة إلى أنه يوجد منهم من لا تجب طاعته، ثم بيّنه بقوله: { فإن تنازعتم في شيء } كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم، وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. قال الطيبي، وسيأتي تحريرُ ذلك إن شاء الله تعالى.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله } فيما أمركم به ونهاكم عنه، { وأطيعوا الرسول } كذلك. { وأولي الأمر منكم } أي: مَن ولي أمرَكم. من وُلاَةِ العدل كالخلفاء والأمراء بعدهم، تجب طاعتهم فيما أمَروُا به من الطاعة دون المعصية إلا لخوف هرج، قال عليه الصلاة والسلام:
" "إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوف" ، فأن لم يعدل: وجبت طاعته خوفًا من الفتنة. وهذا هو الأصح. لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " "سَيَليكم ولاة، فيليكم البَرُّ ببره، والفاجر بفجوره، فاستمعوا لهم، وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم" . رواه أبو هريرة.
وفي حديث آخر:
" إلاَّ أن تَروا كُفرًا بَوَاحًا، لكم عليه من اللهِ بُرهَانٌ" . أي: فيجب عزلهم. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو وائل فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا حقنا ويسألون حقهم؟. فقال صلى الله عليه وسلم: " اسمَعُوا وأطِيعُوا، فَإنَّ عليهم ما حُمِّلُوا وَعَليكُم ما حُملتم" .
وقال جابر بن عبد الله والحسن والضحاك ومجاهد: أولو الأمر هم الفقهاء والعلماء، أهل الدين والفضل، يُعلَّمون الناس معالم دينهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، دليله. قوله تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ... } [النساء:83] الآية. قال أبو الأسود: ليس شيء أعز من العلم، الملوك حُكَّام على الناس، والعلماء حُكَّام على الملوك. هـ.
{ فإن تنازعتم } أنتم وأولو الأمر، أو بعضكم مع بعض ـ أي: اختلفتم في حكم شيء من أمر الدين فلم تعلموا حكمه، { فردّوه إلى الله } أي: إلى كتاب الله، { و } إلى { الرسول } في زمانه، أو سنته بعد موته، فإن لم يوجد بالنص فبالقياس. فالأحكام ثلاثة: مثبت بالكتاب، ومثبت بالسنة، ومثبت بالرد إليهما على وجه القياس. وعن إبراهيم بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اعملُوا بالقرآن: أحلُّوا حَلاَلهُ، وحرَّمُوا حرامَهُ، وآمنوا بِه ولا تكفُروا بشيءٍ منهُ، وما اشتبه عليكُم فردُّوه إلى الله تعالى وإلى أولي العِلم من بَعدي، كيما يُخبرُونكم به" "، ثم قال: " "وليَسعُكُم القرآن وما فيهِ من البَيَانِ؛ فإنه شافعٌ مشفَّعٌ، وما حِلٌ مُصدَّقَّ، وأن له بكل حَرفٍ نُورًا يومَ القِيَاَمَة" .
فردوا الأحكام إليه وإلى الرسول، { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر } فأن الإيمان يُوجِبُ ذلك. { ذلك } الرد { خير } لكم { وأحسن تأويلاً } من تأويلكم بالرأي من غير رد، وأحسن عاقبة ومآلاً، والله تعالى أعلم.
الإشارة: أولو الأمر عند الصوفية، هم شيوخ التربية العارفون بالله، فيجب على المريدين طاعتهم في المنشط والمكره، وفي كل ما أمروا به، فمن خالف أو قال: " لِمَ " لَم يفلح أبدًا، ويكفي الإشارة عن التصريح عند الحذاق أهل الاعتناء، فإن تعارض أمر الأمراء وأمر الشيوخ، قدَّم أمر الشيخ إلا لفتنة فادحة، فإن الشيخ يأمر بطاعتهم أيضًا لما يؤدي من الهرج بالفقراء، فإن تنازعتم يا معشر الفقراء، في شيء من علم الشريعة أو الطريقُ، فردوه إلى الكتاب والسنُّة. قال الجنيد رضي الله عنه: طريقتنا هذه مؤيدة بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويتعلم الحديث لا يُقتدى به في هذا الشأن. هـ. ويكفي المهم من ذلك، وهو ما يتوقف عليه أمر عبادته. والله تعالى أعلم.