خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ
٣٠
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ
٣١
وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ
٣٢
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
٣٣
-غافر

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { وقال الذي آمن } مخاطباً قومه: { يا قوم إِني أخافُ عليكم } في تكذيب موسى، والتعرُّض له بسوء، { مثلَ يومِ الأحزاب } أي: مثل أيام الأمم الماضية المتحزبة على رسلها، يعني وقائعهم. وجمْعُ الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم، أي: بالإضافة، وفسره بقوله:
{ مثلَ دأبِ قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ والذين من بعدهم }؛ كقوم لوط وشعيب، لم يُلْبَسْ أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دَمَار، فاقتصر على الواحد من الجمع. ودأب هؤلاء: دؤوبهم في عملهم من الكفر، والتكذيب، وسائر المعاصي، حتى دمَّرهم الله. ولا بد من حذف مضاف، أي: مثل جزاء دأبهم ـ وهو الهلاك. و (مثل) الثاني: عطف بيان لمثل الأولى. { وما الله يريد ظلماً للعباد }؛ فلا يُعاقبهم بغير ذنب، أو: يزيد على ما يستحقونه من العذاب، يعني أن تدميرهم كان عدلاً؛ لأنهم استحقوه بأعمالهم، وهو أبلغ من قوله:
{ { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46]؛ حيث جعل المنفي إرادة الظلم مُنْكَراً، وإذا بعُد عن إرادة ظُلم مَا لعباده؛ كان عن الظلم مُنْكَراً، وإذا بعُد عن إرادة ظُلمٍ مَا لعباده؛ كان عن الظلم أبعد وأبعد. وتفسير المعتزلة: بأنه لا يريدُ لهم أن يظلموا، بعيد؛ لأن أهل اللغة قالوا: إذا قال الرجل لآخر: لا أريد ظلماً لك، معناه: لا أريد أن أظلمك، وهذا تخويفٌ بعذاب الدنيا. ثم خوَّفهم من عذاب الآخرة بقوله:
{ ويا قومِ إِني أخاف عليكم يوم التَّنَادِ } أي: يوم القيامة؛ لأنه ينادي فيه بعضُهم بعضاً للاستغاثة، ويتصايحون بالويل والثبور، وينادي أصحابُ النار أصحابَ الجنة، وأصحابُ الأعراف رجالاً يعرفونهم، وعن الضحاك: إذا سمعوا زفير النار نَدُّوا هرباً، فلا يأتون قُطراً من الأقطار، إلا وجدوا ملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى مكانهم، فبينما هم يموج بعضهم في بعض، إذ سمعوا منادياً: أقبلوا إلى الحسابِ. أو: ينادي مناد عند الميزان: ألا إن فلاناً بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ألاَ إِن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً. قال ابن عطية: المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة، وذلك كثير. هـ.
ثم أبدل من يوم التناد: قوله: { يوم تُولُّون مدْبرين } أي: منصرفين عن القوم إلى النار، أو: فارِّين منها غير معاجزين، { ما لكم من الله من عاصم } يعصمكم من عذابه، ولمَّا أيس من قبولهم قال: { ومَن يُضلل الله فما له من هادٍ } يهديه إلى طريق النجاة.
الإشارة: ينبغي للواعظ والمُذكِّر إذا ذكَّر العصاة أن يُخوفهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة، كما فعل مؤمن آل فرعون، أما عذاب الدنيا فما يلحق العاصي من الذُل والهوان عند الله، وعند عباده، وما يلحقه إن طال عمره من المسخ وأرذل العمر، فإِنَّ المعاصي في زمن الشباب تجر الوبال إلى زمن الهرم، كما أن الطاعة في حال الشباب تجر الحفظ والرعاية إلى حال الكِبَر، وأما عذاب الآخرة فمعلوم، ثم يحضّ على التوبة والإقلاع، فإنَّ التائب الناصح مُلحَق بالطائع، فلا يلحقه شيء من ذلك. وبالله التوفيق.
ثم وبَّخهم بما تعوّدوا من تكذيب الرسل، فقال: { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ }.