خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٣٣
وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
٣٤
-الأحقاف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { ولم يَعْيَ } حال من فاعل "خلق"، يُقال: عَي، كرضَى، وَعِيَ بالإدغام، وهو أكثر. قاله في الصحاح. وفي القاموس: عَيَّ بالأمر وعَيِيَ كرَضِيَى، وتَعايا واسْتَعيا وتَعَيَّا: لم يهتدِ لوجه مُراده، أو عَجَزَ عنه ولم يُطِقْ إحْكَامه. هـ. و { بقادر } خبر "أن"، ودخلت الباء لاشتمال النفي الذي في صدر الآية على "أنّ" وما في حيّزها، قال الزجاج: لو قلت: ما ظنت أنَّ زيداً بقائم، جاز.
يقول الحق جلّ جلاله: { أَوَ لَمْ يَرَوا } أي: ألم يتكّفروا ولم يعلموا علماً جازماً { أنَّ الله الذي خلق السماوات والأرض } ابتداء من غير مثال يحتويه، ولا قانون يحتذيه، { و } الحال أنه { لم يَعْيَ بخلقهن } أي: لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلاً، ولم يعجز عنه، أليس مَن فعل ذلك { بقادرٍ على أن يحيي الموتى بلى } جواب النفي، أي: بلى هو قادر على ذلك، { إِنه على كل شيء قديرٌ } تقرير للقدرة على وجه عام، ليكون كالبرهان على المقصود.
ثم ذكر عقاب مَن أنكر البعث المبرهن عليه، فقال: { و } اذكر { يوم يُعرض الذين كفروا على النار } فيقال لهم: { أليس هذا بالحق } فالإشارة إلى ما يُشاهدونه من فظيع العذاب، وفيه تهكُّم بهم، وتوبيخ لهم، على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده، ونفيه بقوله: "وما نحن بمعذبين"، { قالوا } في جواب الملائكة: { بلى وربَّنا } إنه لحق، أكدوا جوابهم بالقسم كأنهم يطمعون في الخلاص بالاعتراف بحقيقتهما كما في الدنيا، وأنَّى لهم ذلك؟ { قال } تعالى لهم: { فذُوقوا العذابَ بما كنتم تكفرون } بها في الدنيا، ومعنى الأمر: الإهانة بهم والتوبيخ لهم، نعوذ بالله من موارد الهوان.
الإشارة: تربية اليقين تطلب في أمرين، حتى يكونا كرأي العين: وجود الحق أو شهوده، وإيتان الساعة وقربها، حتى تكون نُصب العين، وتقدّم حديث حارثة شاهداً على إيمانه، حيث قال:
"وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون..." الحديث.
ثم أمر بالصبر على ما يسمع من الكفرة، في إمكان البعث وغيره، فقال: { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ }.