خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ
١٤٦
-الأنعام

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { الحوايا } هي الأمعاء، أي: المصارين التي فيها البعر، وتسمى المباعر، جمع حوية، فعيلة، فوزنها على هذا: فعائل، فصنع بها ما صنع بهرَاوا، وقيل: جمع حاوية، فوزنها: فواعل، كقوارب، وهو عطف على ما في قوله: { إلا ما حملت }.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر }؛ ماله أصبع، كالإبل والأوز والنعام، وغيرها من الحيوان، الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر، وقيل: كل ذي مخلب وحافر، وسمي الحافر ظفرًا؛ مجازًا.
{ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } كالثروب وشحوم الكُلى، { إلا ما حملت ظُهورهما } أي: إلا ما علق من الشحم بظهور البقر والغنم، فهو حلال عليهم، لكنهم اليوم لا يأكلونه، حدثني شيخي الفقيه الجنوي أنه سأل بعض أحبارهم: هل هو حرام في كتابكم؟ فقال له: لا، لكنهم قاسوه سدًا للذريعة. هـ. فلما شددوا شدد الله عليهم، { أو الحوايا } أي: ما احتوت عليه الأمعاء والحشوة مما يتحوى في البطن من الشحوم، فهو حلال عليهم { أو ما اختلط بعظم } في جميع الجسد، فإنه حلال عليهم، لكنهم شددوا فحرموا الجميع عقوبة من الله { ذلك } التحريم جزاءٌ { جزيناهم } به بسبب بغيهم، أي: ظلمهم، { وإنا لصادقون } فيما أخبرنا به من التحريم، وفي ذلك تعريض بكذب من حرّم غير ما حرم الله.
الإشارة: يؤخذ من الآية أن الذنوب والمعاصي تضيق على العبد لذائذ متعته، وتقتر عليه طيب رزق بشريته، وتضيق عليه آيضًا حلاوة المعاملة في قلبه، ولذة الشهود في روحه وسره، لقوله تعالى: { ذلك جزيناهم ببغيهم }. وقال تعالى:
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىَ ءَامَنُواْ وَاتَّقوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتِ مِنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ } [الأعرَاف:96]، وقال في شأن القلب: { { إِن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفَال:29]، أي: نورًا يفرق بين الحق والباطل، وقال تعالى: { وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِمُكُمُ اللهُ } [البَقَرَة:282]، أي: علمًا لدُّنيا، فالمعصية كلها تُبعد العبد من الحضرة، إن لم يتب، والطاعة كلها تقرب من الحضرة. والتنعم إنما هو على قدر القرب، ونقصانه على قدر البُعد. والله تعالى أعلم.
ولمَّا كانت المعصية توجب تعجيل العقوبة أخبر تعالى عن سعة حلمه، فقال: { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ }.