خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٦٧
-الأعراف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { تأذن }: أعلم، وهي تفعل، وهي من الإيذان بمعنى الإعلام، كتوعّد وأوعد، أو: عزم، لأن العازم على الشيء يؤذن نفسه بفعله، وأجرى مجرى القسم كعَلِم الله وشهد الله، ولذلك أجيب باللام القسمية.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { و } اذكروا { إذ تأَذَّن ربُّك } أي: أعلم وأظهر ذلك في عالم الشهادة، { ليبعثنَّ } على بني إسرائيل، أي: ليسلطن { عليهم إلى يوم القيامة مَن يسومُهم سُوءَ العذابِ }؛ كالإذلال وضرب الجزية، وقد بعث الله عليهم بعد سليمان عليه السلام بُختنصر، فخرب ديارهم، وقتل مقاتلتهم، وسبى نساءهم وذراريهم، وضرب الجزية على من بقي منهم، وكانوا يؤدونها إلى المجوس، حتى بعث الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ففعل بهم ما فعل، في بني قريظة والنضير وخبير، ثم ضرب الله عليهم الجزية إلى آخر الدهر، { إن ربك لسريع العقاب } فعاقبهم في الدنيا، { وإنه لغفور رحيم } لمن تاب وآمن، وإنما أكد هنا الخبر باللام دون ما في آخر الأنعام، لأن ما هنا في اليهود، وما في آخر الأنعام في المؤمنين، فأكد ما هنا باللام، فقال: { لسريع العقاب }؛ زيادة في توبيخهم ونكالهم.
الإشارة: مواطن الذل والهوان هو الانهماك في المخالفة والعدوان، وقد ينسحب ذلك في الذرية إلى آخر الزمان، فإن الله تعالى يقول: أنا الملك الودود، أعاقب الأحفاد بمعاصي الجدود، ومواطن العز والحرمة والأمان: هو الطاعة والتعظيم والإحسان، ينسحب ذلك على الأحفاد، إلى منتهى الزمان، فإن الله تعالى يحفظ الأولاد ببركة الأجداد. وقد تذاكر بعض التابعين ما يكون في آخر الزمان من الفتن والفساد، فقال بعضهم: يا ليتني كنت عقيمًا أو لم أتزوج، فقال له من هو أكبر منه: ألا أدلك على ما يحفظ الله عقبك؟ قال: نعم، دلني، قال: قوله تعالى:
{ { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً... } [النِّساء:9] الآية. وبالله التوفيق.
ثم قال تعالى في شأن اليَهود: { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً }.