خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٢٨
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ
٢٩
فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٠
-الأعراف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحقّ جلّ جلاله: في وصف المشركين: { وإذا فعلوا فاحشة } أي: فعلة متناهية في القبح؛ كعبادة الصنم، وكشف العورة في الطواف، احتجوا بفعل آبائهم فقالوا: { وجَدنَا عليها آباءنا واللهُ أمرنَا بها } فاعتذروا بعذرين باطلين: أحدهما: تقليد آبائهم، والآخر: افتراؤهم على الله، فأعرض عن الأول؛ لظهور فساده، ورد الثاني بقوله: { قل إنَّ الله لا يأمرُ بالفحشاء }؛ لأن الله تعالى جرت عادته على الأمر بمحاسن الأفعال ومكارم الخلال. ولا حجة فيه للمعتزلة. انظر البيضاوي.
والآية كأنها جواب سؤالين مترتبين؛ كأنه قيل لهم: لِمَ فعلتم هذه الفواحش؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، فقيل: ومن أين أخذها آباؤكم؟ قالوا: الله أمرنا بها، فكذبهم الله بقوله: { إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون }، أي: أتتقولون على الله ما لا علم لكم به؛ إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله.
{ قل أمرَ ربي بالقسط } أي: العدل، وهو الوسط من كل أمر، المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط، وأمر بأن قال: { وأقيموا وجوهَكم عند كل مسجد } أي: افعلوا الصلاة في كل مكان يمكن في السجود إذا حضرتكم، ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم. والمعنى: إباحة الصلاة في كل موضع، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم:
" "جُعِلَت لِيَ الأرضُ مَسجدًا وَطَهورًا" " . وقيل: المراد إحضار النية والإخلاص لله في كل صلاة بدليل قوله: { وادعوه }؛ أي: اعبدوه { مخلصين له الدين } أي: الطاعة، فلا تعبدوا معه غيره، فإنكم راجعون إليه، { كما بدأكم تعودون } فيجازيكم على أعمالكم، فاحتج على البعث الأخروي بالبدأة الأولى؛ لاشتراكهما في تعلق القدرة بهما، بل العود أسهل باعتبار العادة، وقيل: كما بدأكم من التراب، تعودون إليه، وقيل: كما بدأكم حفاة عراة غرلاً، تعودون، وقيل: كما بدأكم مؤمنًا وكافرًا، يُعيدكم. قاله البيضاوي.
{ فريقًا هدى }؛ بأن وفقهم للإيمان، { وفريقًا حق عليهم الضلالة }؛ بمقتضى القضاء السابق، أي: خذل فريقًا حق عليهم الضلالة، { إنهم اتخذوا الشياطينَ أولياءَ } يطيعونهم فيما يأمرونهم به، { من دون الله }، وهذا تعليل لخذلانهم وتحقيق لضلالتهم، { وَيحسَبُون } أي: يظنون { أنهم مهتدون }؛ فهم على جهل مركب، وفيه دليل على أن الكافر المخطىء والمعاند: سواء في الذم واستحقاق العذاب؛ إذ لا يعذر بالخطأ في أمر التوحيد.
الإشارة: تقليد الآباء في المساوىء من أقبح المساوىء، واحتجاج العبد بتخليته مع هواه هو ممن اتخذ إلهه هواه، إن الله لا يأمر بالفحشاء، فإذا قال العبد ـ في حال انهماكه: هكذا أحبني ربي، فهو خطأ في الاحتجاج؛ بل يجاهد نفسه في الإقلاع، ويتضرع إلى مولاه في التوفيق؛ فإن الحق تعالى إنما يأمر بالعدل والإحسان، ودوام الطاعة والإذعان، والخضوع لله في كل زمان ومكان، والتحقق بالإخلاص في كل أوان، وإفراد المحبة والولاية للكريم المنان. وبالله التوفيق.
ثم أمرهم بستر العورة في الصلاة والطواف، فقال: { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.